فتوح الشام - الواقدي - ج ٢ - الصفحة ٢٤٥
وعرق تحتهما الجوادان فأشار البطريق إلى ضرار ان يترجل ويترجل البطريق معه شفقة على الجوادين وإذا برأس بطارقة أهناس قد أخرج له جوادا مجللا بالحرير ليركبه فلما نظر ضرار إلى ذلك صاح بجواده أثبت معي هذه الساعة والا أشكوك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فذرفت عين الجواد بالدموع وحمحم وجرى أكثر من جريه المعتاد وتلقى ضرار البطريق وحمل عليه وطعنه بعقب الرمح فأرداه وأخذ جواده وأراد قتله وإذا بكردوس خرج من الروم ومعهم الكلب الكبير شاول أحد بطارقة الأشمونيين وأحاطوا بضرار وكان على رأس شاول تاج من الذهب الأحمر فلما رأى الصحابة الكردوس الذي خرج على ضرار والتاج يلمع على رأسه قالوا لخالد ما سبب قعودنا عن نصرة صاحبنا وقد أحاطت به الروم فعندها خرج خالد رضي الله عنه في عشرة من خيار قومه وهم الفضل بن العباس بن عبد المطلب وأخوه وعبد الله بن جعفر ومسلم وعلي أولاد عقيل وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن المقداد وقوموا الأسنة وأطلقوا الأعنة وصبر ضرار للروم حتى وصلت اليه الامراء وقالوا أبشر يا ضرار فقد أتاك النصر والفرج وقد ذهب عنك الخوف والجزع فلا تخف من الكفار واستعن بالله الواحد القهار فقال ضرار ما أقرب الفرج من الله والتقت الرجال بالرجال وطلب خالد صاحب التاج والعصابة وضرار مع خصمه فلما رأى شاول البطريق المسلمين قد أحدقوا به وما حل بجماعته اندهش وارتعد هذا وضرار مع خصمه وقد أراد الهرب فألقى ضرار نفسه من على جواده وتبعه حتى لحقه ثم رمى الرمح من يده وتواخذا بالمناكب وتصارعا وكان عدو الله كأنه قطعة من جبل وضرار نحيف الجسم غير أن الله أعطاه حولا وقوة فلما طال بينهما العراك ضرب ضرار بيده في بطن عدو الله فقلعه وجلد به الأرض فصاح يستنجد بالبطارقة وتصارخت الروم والسودان وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يمهله ضرار دون أن ركب عليه وهو يعج كالبعير فعندها أظهر ضرار سيفه ومكنه من نحره فقتله فزعق زعقة سمعها العسكران فحملت الروم والسودان هذا وضرار قد احتز رأسه وقام عن صدره وهو ملطخ بالدماء ثم كبر المسلمون ودنا الفريقان بعضهم من بعض والتحمت الابطال وقوي القتال وعظم النزال وسال العرق وازورت الحدق وعظمت الرزايا وأظلمت الدنيا ودارت رحى الحرب وقوي الطعن والضرب وضاقت الصدور واشتدت الأمور وضاقت المذاهب وقطعت المناكب وما كنت ترى الا دما فائرا وكفا طائرا وجوادا غائرا هذا وقد زحفت السودان وأصحاب السلاسل ذوو الكفر
(٢٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 ... » »»