جل وعلا * (إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا) * قال الواقدي فلما سمع بطريق ميافارقين هذا الكلام من الحكم بن هشام قال والله ما في دينكم مراء وأنتم على الحق ولقد كنت أسلمت على يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ببيت المقدس ثم جئت إلى هذه المدينة وكان عليها وال فمات ووليت الأمر من بعده فرجعت إلى ديني الأول فان أنا تبت اليه ورجعت إلى دينكم أيقبلني على ما ارتكبت من المعاصي فقال له الحكم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوما لأصحابه بأي شيء يكون ابن آدم أشد فرحا فقالوا بالأهل فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسكت الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكون ابن آدم أشد فرحا منه إذا كان في مفازة ومعه راحلته عليها زاده وماؤه ومنافعه فإذا كان في بعض المفازة اشتد عليه الحر فاوى إلى ظل فنزل عن راحلته وتوسد ذراعه فنام ثم انتبه وقد ذهبت راحلته وعليها طعامه وشرابه وغذاؤه ومنافعه فانطلق في طلبها يمينا وشمالا فلم يجدها فرجع إلى موضعه ليموت فيه وقد أيقن بالهلاك فنام ثم انتبه فوجد راحلته كما هي فأخذ بخطامها ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم ان الله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن من ذلك الرجل بتلك الراحلة قال فلما سمع اسلاغورس كلام الحكم بن هشام دمعت عيناه وأخذهم إلى دار ولايته وقال والله لقد بان الحق وظهر الصدق فاسلم وحسن اسلامه وطلب جماعته فاسلموا بأجمعهم ثم إنه طلب أكابر البلد وأخبرهم باسلامه وقال لهم اني أريد منكم ما أريده لنفسي وان دين هؤلاء يعلو ولا يعلى عليه فمن أسلم منكم أمن في الدنيا والآخرة وهم قد نزلوا على آمد ولا بد لهم من ديار بكر جميعها فمن خالفهم وعصى نهبوا بلده واستعبدوا أهله وولده فان أسلمتم لهؤلاء القوم أمنتم على أنفسكم وبلادكم فقالوا أيها الصاحب أمهلنا ثلاثة أيام حتى نرى ما لنا فيه الصلاح فتركهم وانصرفوا من عنده فلما كان الليل اجتمعوا وتحالفوا أن لا يسلموا للعرب أبدا ولو هلكوا عن آخرهم وأصروا على القتال فبعد ثلاثة أيام طلبهم فلم يأته الا القليل وأتت اليه العين الصافية وأخبرته بما عزم عليه أهل البلد ثم لبسوا سلاحهم وأتوا اليه يقاتلونه فخرج إليهم بجماعة ومعه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتلوا قتالا شديدا فلما جن الليل قال لهم ارسلوا إلى أميركم ينجدنا فأرسل واحدا منهم فما بعد عن البلد حتى سمع قرع حوافر الخيل فلما تبينهم إذا هم من عسكر الموحدين وإذا هم خمسمائة فارس وعليهم ضبة بن عدي وكان السبب في ذلك أن عياض بن غنم رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وأخبره بقصة ميافارقين وما جرى لصاحبها من أهل بلده وأمره أن يرسل إليهم جيشا
(١٦١)