فتوح الشام - الواقدي - ج ٢ - الصفحة ١٦٠
عجيب ونعتها غريب فألجمها بلجام القرب وأسرجها بموكب الحب وسار بها في ميدان الجلال وهو ينادي سبحان الذي أسرى فلما وقف ببابه ورفع حجابه ونظر وإذا هو مدثر بعباءة تذلله متوسد بوسادة عمله قد أنحله الشوق وأذابه التوق فنشر عليه أنوار السعد وبشره بانجاز الوعد فقال له يا أيها المدثر قم على قدم همتك وقم بوارد عزيمتك واركب إلى السماء وارق واصعد معراج الدنو والارتقاء فقام السيد واتشح وجسمه من الحياء قد رشح وقد باح باستسلامه وركب مركب تحيته وسلامه ورفع على رأسه سحابة الاحترام وأسرى به من البيت الحرام ذكره جليسه وفكره أنيسه وشوقه دليله وجبريل خليله فلما ولج دائرة بيت المقدس وحصل في فناء المسجد الأقصى فجليت عليه أرواح الأنبياء في حلل الأنوار والبهاء فبادروا إلى سلامة وتحيته واكرامه وجليت بين يديه وأثنوا بالصلاة عليه وأراد كل منهم أن يصف منزلته ويذكر فضيلته فقال آدم الحمد لله الذي خلقني بيده ونفخ في من روحه وأسجد لي ملائكته واسكنني دار كرامته وقال إدريس الحمد لله الذي رفعني مكانا عليا وبوأني مجلسا سنيا وقال نوح الحمد لله الذي نجاني من القوم الظالمين وجعلني ابا للمؤمنين وقال إبراهيم الحمد لله الذي اتخذني خليلا وجعل النار بردا علي وسلاما وأصلح لي زوجي بعد ما كانت عقيما وقال موسى الحمد لله الذي أعطاني تسع آيات بينات وكتب لي في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء وأهلك عدوي فرعون ونجى قومي وفلق لي البحر وكلمني تكليما وقال لي إلي أنا الله وقال أبا سليمان بن داود الحمد لله الذي سخر لي الإنس والجن والطير والريح وعلمني منطق الطير وآتاني ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي وقال عيسى الحمد لله الذي لم يخلقني من نطفة قذرة وأحيا لي الموتى وأبرأ لي الأكمة والأبرص فلما افتخروا بجميع كراماتهم قال النبي صلى الله عليه وسلم الحمد لله الذي خلقني من أنوار البهاء ورفع قدري في الأرض والسماء وكتب اسمي على ساق عرشه وقرن اسمي باسمه ونزه ذكري في معالم قدسه وشرح لي صدري ويسر لي أمري ورفع قدري وغفرلي ما تقدم من ذنبي وما تأخر وأيدني على من كفر وبعثني بالرعب وأرسلني بالحنيفية ونصرني وجعل أمتي خير الأمم وفرض طاعتي على العرب والعجم وجعل لي الأرض مسجدا وترابها طهورا وشفعني يوم القيامة في أمتي ونسخ سائر الشرائع بشريعتي وأدخل سائر الأمم في شفاعتي وجعل الكعبة قبلتي وأسمعني صلاة أمتي من بعدي لأشهد لهم يوم القيامة وجعلني شاهدا وأمتي شهودا على من جحد وظلم وكتب اسمي على الأفلاك وقال
(١٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 ... » »»