يعلمه بما يريد أن يدبره وسلمه إلى رجل يثق به وبعثه إلى المسلمين قال المؤلف حدثني جابر بن عمران الدوسي ونحن في أرض يقال لها البلاط إذ جاء معن بن أوس من آل مخزوم ولقد تركه أبو عبيدة في المقدمة فجاء برجل من الروم فقال لأبي عبيدة خذ هذا إليك فهو يزعم أنه رسول فاستخبره أبو عبيدة في السر فقال أنا رسول إليك بكتاب فقال ممن قال من يوقنا ومن أسير لكم بأنطاكية يقال له ضرار بن الأزور فأخذ أبو عبيدة الكتاب وقرأه على من يعز عليه فبكوا من أبيات ضرار وبلغ الخبر أخته فأتت أبو عبيدة وقالت يا أمين الأمة اسمعني أبيات أخي فقرأ البعض عليها ولم يتمها فاسترجعت وقالت إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم فوالله لآخذن بثأره إن شاء الله تعالى وحفظ الناس أبيات ضرار وتداولوها بينهم فكان أشد الناس عليه حزنا خالد بن الوليد قال الواقدي حدثنا عبد الملك بن محمد عن أبيه حسان ابن كعب عن عبد الواحد بن عون عن موسى بن عمران اليشكري عن عامر بن يحيى عن أسد بن مسلم عن دارم بن عياش ان أهل حازم فتحوا قلاعا كثيرة وحصونا منها الراوندات وما سواها من قورص وباسوطا ولم يزل أبو عبيدة سائرا بالمسلمين إلى أن نزل على جسر الحديد وبلغ الخبر هرقل فتمكن الخوف من قلبه وأمر بطارقته بالتأهب للقتال ونصب سرادقاته مما يلي جسر الحديد وضربت الملوك خيامها وفتح الملك هرقل خزائن السلاح وفرقها على رجاله وأبطاله وخلع على يوقنا وقال له أيها الدمستق قد وليتك على جيشي هذا كله فكن أنت مدبره وسلم اليه صليبا كان في بيعة القيسان لا يخرجونه الا في الأيام العظام عندهم وقال له أيها الدمستق قدم هذا الصليب بين يديك واعتمد على نصرته فهو ينصرك فأخذه وسلمه إلى ولده وأمره أن يحمله بين يديه فعندها ركب الملك هرقل إلى كنيسة القيسان ومعه الملوك والحجاب حتى يصلي صلاة النصر فلما وصلوا وصلى الملك جلس وأمر باحضار المائتين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقربهم قربانا فقبل يوقنا يده وقال له يا عظيم الروم ما ولاك الله على البلاد والعباد الا وقد علم أن عقلك يسع ذلك وقد قال ديسقور الحكيم ان العقل مرقى جليل وصاحبه نبيل لأنه عز الانسان ومصباح الأنام وأعلم أيها الملك أن العرب قد قصدتنا بعددها وعديدها وقد نزلوا على جسر الحديد ولا بد لنا من القتال والمصاف معهم ولا ندري على من تكون الدائرة فان قتلت هؤلاء الاسرى ووقع أحد منا بأيديهم فإنهم لا يبقون عليه والصواب تركهم إلى أن نرى ما يؤول من أمرنا فان أسروا من أصحابنا أحدا أو من أعياننا نفاديه فقال أرباب الدولة صدق الدمستق في قوله قال البترك أيها الملك أحضرهم إلى هذه الكنيسة فإنها أحسن كنائس بلدنا وأمر النساء والبنات يتزين ويحضرن هنا فإذا هم نظروا إلى نسائنا وحسنهن وجمالهن وطيب رائحتهن مالت أنفسهم إليهن فيرجعون إلى ديننا فيكون ذلك وهنا على المسلمين
(٢٩١)