قال فأمر بذلك فلما حضروا رفعت القسوس أصواتهم بقراءة الإنجيل فرفع المسلمون أصواتهم بالتهليل والتكبير وقالوا كذب الجاحدون وضلوا ضلالا بعيدا ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من اله وكان في الاسرى رجل من اليمن من فضلائهم وعلمائهم ممن علم علم الحميرين وقرأ الكتب السالفة وكان اسمه رفاعة بن زهير يقول الشعر وينظم الكلام وانه لما نظر الكنيسة ملآنة بأهل الكفر ورآهم يعظمون الصلبان ويسجدون للصور قال الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله كذب العادلون عن الله أصحاب الشيطان والا اله الا الله الواحد الرحمن الذي ليس له أب محسوب وانه فرد صمد لا إلى شيء منسوب ليس له ضد ولا ند ولا حد أوجد الموجودات وصور المخلوقات وخلق الكائنات ودبر الأرض والسماوات أول لا افتتاح لوجوده وآخر لا عدم لشهوده لا يموت ولا يفنى ولا يزول ولا يبلى لا شريك له ولا وزير له ولا صاحب له ولا مشير له ليس كمثله شيء وهو السميع البصير قال فاضطربت الكنيسة لقوله ومالت القسوس بعكاكيزها اليه فأشارت الحجاب إليهم ان لا يكموه ويتركوه فتفرقوا عنه فقال له الملك هرقل ما اسمك يا أخا العرب قال أيها الملك وما تريد من اسمي ولست من جنسكم فتستخبروني فقال البترك صدق أيها الملك ليس هو من جنسنا ولا له علم ولا خبرة فعلام تسأله انما هو بدوي يعلم بسكنى القفار وصحبة الأشرار والحكمة من بلادنا ظهرت وفي حكمائنا اشتهرت لأنها نبعت من اليونانيين ووعاها جدودنا السريانيون من أين للعرب حكمة يتوارثونها وعلوم يتدارسونها والفضائل كلها من علمائنا والعدل في ملوكنا الإسكندر وبطليموس وموريق ويوسطنيوس وأرمويل وانطاميس وأرجاس وجرجس واسطوس واسطانيس وسارغورس النوصيدي وهو الذي بنى أنطاكية وسفليوس واريسا وكان نبيا ملكا ويلينوس وهو الذي بنى الرها ومنبج واسطبس وكان كاهنا وهو الذي اخبر ملك زمانه انه قد ولد مولود يخاطب الرب ويكون له شأن ونبأ عظيم يهلك على يديه أفلاطون وهو فرعون ومنافسطين الحكيم ومنا فجر العلوم ومنا منتهو وهو الذي بنى رومية الكبرى وباسمه ومناسطاليوس وهو الذي وضع الكتاب الأول الذي فيه حوزة الأرض بجبالها وبحارها وبنائها وصوانها ووصف أمة كل إقليم بألوانها وخواصها ووصف ما في كل إقليم من معدن ذهب أو فضة أو جوهر وأحصى عيون الأرض جميعها بأسمائها وجبالها وأوديتها وشعابها وغدرانها وعجائبها ومنا ايردروس القلنسب الرومي وهو الذي يقول حشرني الله مع الذين يقال لهم في الميعاد أدبروا مع إبليس وجنوده إلى النار ألم تطهر نفسك أيها المسكين الناظر في كتابي القاري الآبي من ادناس الدنيا وشهواتها المظلمة للنفوس المعوقة للحس الروحاني النوراني ان ترقى إلى عالم عليين فانظر في الحكمة فإنها سلم العالم الروحاني فمن عدمها فقد عدم القرب إلى بارئه ومصوره ومنشئه قال الواقدي انما تكلم البترك بهذا الكلام بين يدي الملك هرقل وهو يظن أنه
(٢٩٢)