لهم منك الحرص والهيبة واعلم أن في ذلك من الحيل ما أرجو من الله أن يتمها أن شاء الله تعالى ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم فأمر أبو عبيدة عسكره بالرحيل فارتحلوا ونزلوا تحت القلعة وهللوا وكبروا وأظهروا سلاحهم وارهبوا أعداء الله تعالى قال فأشرف عليهم الروم ونظروا إلى جمعهم فهابوهم وألقى الله الرعب في قلوبهم حتى أنهم اضطربوا في قلعتهم وماجوا وجعل كبراؤهم يستشيرون فيما بينهم فقال قوم نقاتلهم وقال قوم بل نقعد في قلعتنا فإنهم لا يقدرون علينا ثم اجتمع رأيهم على القتال من فوق القلعة وقعدوا على الأبراج والبنيان وجعلوا يرمون المسلمين بالحجارة والسهام وقد أقاموا على ذلك ليلا ونهارا ودامس مع ذلك يعمل حيله يصل بهم إليهم بسوء قال فلما كان بعد السبعة والأربعين يوما أقبل دامس على أبي عبيدة وقال له أيها الأمير قد عجزت وأنا أعمل حيلا فما صدر من يدي في حقهم شيء وقد افتكرت في شيء وأرجو من الله أن يكون به الظفر والظهور على أعداء الله فقال أبو عبيدة وما الذي دبرت قال تضيف إلي من صناديد الرجال ثلاثين رجلا وتامرهم بالطاعة وترك المخالفة والاعتراض علي فيما آمرهم به وأفعله وأراه فقال أبو عبيدة سأفعل ذلك ثم ضم اليه ثلاثين رجلا من الشجعان حتى إذا اجتمعوا قال لهم أبو عبيدة معاشر المسلمين أني قد أمرت دامسا عليكم وأمرتكم بالطاعة والقبول لامره واعلموا رحمكم الله اني ما أمرته عليكم لكونه أجل منكم حسبا ونسبا ولا أعظم موكبا ولا أشد بأسا ولا أكثر مراسا فلا يقل أحدكم اني قد أمرت عليكم عبدا احتقارا بكم وبالله أحلف مجتهدا لولا ما يلزمني من تدبير هذا العسكر لكنت أول من ينطلق معه في جمعكم وأنا أرجو من الله أن يفتح على يديكم فأقبلوا عليه بجمعهم وقالوا أصلح الله الأمير ما نشك في أعظامك لنا ومعرفتك بسابقتنا ولقد كان كلامك الأول أثر في نفوسنا وها نحن لك وبين يديك ولو أمرت علينا علجا اغلف لم نخرج لك من أمر ولا رأي إذ علمنا أنك لا تريد الا نصحا للدين وحياطة فالسمع والطاعة لله ثم لك ثم لمن وليته علينا من قبلك كائنا من الناس أجمعين قال ففرح أبو عبيدة بما قالوه ووثق بكلامهم وجزاهم خيرا وقال لهم اعلموا رحمكم الله تعالى أن نفسي تحدثني ان الله تعالى يفتح هذه القلعة على يد هذا العبد المقبل لأنه دقيق الحيلة حسن البصيرة فسيروا معه وثقوا بالله وتوكلوا عليه وقد تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولى قوادا على سادات العرب من المسلمين والاشراف من عشيرته ثم اقبل على دامس فقال له يا دامس ما الذي تحب بعد هذا قال ترحل أنت بجيشك من وقتك هذا فتكون منا على مسيرة فرسخ فتنزل بالعسكر وتأمرهم بقلة الحركة وان يختفوا ما استطاعوا أو يكون لك رجال تثق بشدتهم ونصحهم للمسلمين يتجسسون عن أخبارنا وآثارنا من غير أن يعلم بهم وبنا أحد ويكونون بغير سلاح سوى الخناجر فإذا عاينوا منا الظهور على أعدائنا والظفر بهم لحقوك وبشروك بذلك فتلحق بنا إن شاء الله تعالى وليكونوا متفرقين في موضع واحد فان ذلك اسلم لهم وأبلغ لما يريدون من أمورهم والله المستعان في جميع الأمور
(٢٦٧)