فتوح الشام - الواقدي - ج ١ - الصفحة ٢٦٣
أكثر خروجه في وقت خروج الناس فلما بات المسلمون القادمون في تلك الليلة ونظرت طيء وسنيس ونبهان وكندة وحضرموت إلى شدة الحرس وعظم حرسهم وحذرهم اقبل دامس أبو الهول على أهله الذين نزل عليهم من طريف وكندة فقال لهم دامس والله ما أنتم محاصرون لا محالة فقالوا له وكيف ذلك قال لان العدو في راس قلعة وأنتم قدام العدو من الأرض لقربكم ولا عسكر بازائكم تخافونه فما هذا الخوف قالوا يا أبا الهول ان صاحب هذه القلعة علج ميشوم يرتقب غفلتنا ويغير على أطرافنا ويأتينا من امننا فبينما دامس يخاطب القوم وإذا بالضجة قد وقعت في طرف عسكر المسلمين ولها جلبة عظيمة فوقف دامس منتضيا حسامه متنكبا حجفته وطلب الناحية التي سمع منها الصوت حتى بلغ إليها وإذا بيوقنا في خمسمائة رجل أبطال أنجاد وليوث شداد وقد وجد غرة من القوم فلما نظر دامس إلى الروم وقع في وسطهم وجعل يقول * أنا أبو الهول واسمي دامس * أكر في جمعهم مداعس * ليث هزبر بطل ممارس * مدمر كل عدو ناكس * قال وجعل يضرب في أعراضهم بسيفه ومعه طائفة من بني طريف من شجعانهم وفرسانهم فلما نظر يوقنا ما نزل به تقهقر إلى ورائه وقد قتل من رجاله مائتان ودامس يكر عليهم ويتبعهم إلى رأس درب القلعة وكندة من ورائه فناداهم أبو عبيدة عزيمة مني عليكم أن لا يتبعهم منكم أحد في ظلمة هذا الليل فقال الناس يا أبا الهول ان الأمير يعزم علينا وعليك بالرجوع فارجع رحمك الله فرجع دامس إلى رحله وتراجع القوم إلى رحالهم وقد أبليت كندة بلاء حسنا والناس قد خرجوا فلما أصبح الناس اجتمعوا للصلاة مع أبي عبيدة فلما قضيت الصلاة تفرقوا ولم يبق الا نفر يسير من أمراء المسلمين فجعلوا يذكرون ليلتهم فقال خالد أصلح الله الأمير لقد رايت كندة وقد أبليت بلاء حسنا وقد تقدمت رجالها وثبتت ابطالها وما زالت تضرب حتى أزالت عنا حامية الكفر والعدو فقال أبو عبيدة صدقت والله يا أبا سليمان والله لقد أسعدت الناس كندة بثباتها والله لقد سمعتم يقولون أحسن دامس وأجاد أبو الهول فقام إلى أبي عبيدة رجل من رؤساء كندة يقال له سراقة بن مرداس بن يكرب فقال أصلح الله الأمير دامس هو أبو الهول وهو مولى طريف قدم مع هذا الوفد الذي ورد بالأمس وهو رجل يفجر ويهول على الإبطال ويفضح الشجعان وبذل الأقران لا يهوله جمع ولا يصعب عليه غارة فقال أبو عبيدة لخالد أما تسمع كلام سراقة في عبدهم دامس فقال خالد يوشك أن يكون صادقا في قوله ولقد سمعت بذكره وحديثه وشجاعته وبراعته ولقد أخبرني رجل يقال له النعمان بن عشيرة المهري أن دامسا هذا أغار وحده وهم على ساحل البحر في سبعين رجلا من أهل مهرة وكان دامس هذا يطلبهم لأجل ثأر كان له عند القوم وكانوا يخافون منه ومن شره وبأسه
(٢٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 ... » »»