متلهفا على قدومهم فلما أشرف خالد بمن معه من الأسارى والاسلاب والدواب هللوا وكبروا فأجابهم العسكر بالتهليل والتكبير قال وأتى خالد ومن معه بالرأس والاسلاب والأسارى فكانوا أزيد من ثلاثمائة أسير ورؤوس القتلى سبعمائة فعرضوا عليهم الاسلام فأبوا وقالوا نحن نعطيك الفداء فقال خالد نضرب رقابهم قبال القلعة لنوهن بذلك عدو الله قال فضربت رقابهم قبال القلعة فقال خالد أنا كنا نظن أنا محاصرون القوم وإذا نحن بخلاف ذلك وهم يرقبون غفلتنا وينتظرون غرتنا وقد قتلوا جمالنا والدواب والصواب أن نجعل عليهم حرسا في كل طريق يمكننا ولا نمكنهم أن يخرجوا من قلعتهم ونضيق عليهم ما استطعنا قال أبو عبيدة جزاك الله خيرا يا أبا سليمان ما ابصرك بالأمور فلما كان من الغد وصلى أبو عبيدة بالناس صلاة الفجر دعا بعبد الرحمن بن أبي بكر وبضرار بن الأزور وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وقيس بن هبيرة وميسرة بن مسروق ففرقهم حول القلعة ومعهم من اختاروا وأمرهم ان يمسكوا الطريق والمسالك على يوقنا حتى لو طار طائر منها أو إليها اقتنصوه وأقام القوم على ذلك مدة فلما طال عليهم ذلك ضجر أبو عبيدة لطول مقامه فأمر الناس بالرحيل عنهم وعزم أن يتباعد عنهم أي عن القلعة لعل أن يجد منهم غفلة فينتهزها قال فبعد عن المدينة فنزل بقرية بقرب منها يقال لها النيرب وهو يريد حيلة يصل بها إلى يوقنا قال ويوقنا لا ينزل من القلعة ولا يفتح بابها ففكر أبو عبيدة غاية الفكرة وقال لخالد يا أبا سليمان أن جواسيس عدو الله تكشف أخبارنا وتوصلها اليه وتخوفه فاني أقسم عليك يا أبا سليمان الا ما جلت في عسكرنا جولة واختبرت أمر الناس فلعلك تقع بأحد من جواسيسه قال فركب خالد وأمر الناس أن يدوروا في عسكرهم وأن يقبضوا على كل من أنكروه قال فبينما خالد في طوافه إذ نظر إلى رجل من العرب المتنصرة وبين يديه عباءة يقلبها فجعل خالد يرقبه فاستراب الرجل منه فناداه وقال من أي الناس أنت يا أخا العرب قال أنا رجل من اليمن قال من أيها قال فأراد أن يقول وينتمي إلى غير قبيلته فجرى الحق على لسانه فقال أنا من غسان فلما سمع خالد كلامه قبض عليه وقال له يا عدو الله أنت عين علينا لعدونا قال ما أنا متنصر وأنا مسلم فأتى به إلى أبي عبيدة وقال أيها الأمير قد رابني أمر هذا لأنني ما رأيته قط إلا يومي هذا وقد ذكر أنه من غسان ولا شك أنه من عباد الصليب فقال أبو عبيدة اختبره يا أبا سليمان قال وكيف أختبره قال اختبره بالقرآن والصلاة فان أجابك والا فهو كافر فقال له خالد فصل ركعتين واجهر بالقراءة فيهما فلم يدر ما يقول فقال له خالد أنت يا عدو الله عين علينا ثم استخبره عن شأنه فأخبره وأقر أنه عين عليهم فقال له خالد أنت وحدك قال لا ولكنا ثلاثة أنا أحدهم والاثنان قد ذهبا إلى القلعة ليخبرا يوقنا بخبركم وأنا قد تخلفت لانظر ما يكون من أمركم فقال أبو عبيدة أخبرني أيما أحب إليك القتل أو الاسلام فليس بعدهما شيء فقال الغساني أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ثم رجع
(٢٥٩)