فتوح الشام - الواقدي - ج ١ - الصفحة ٢٤٢
قال الواقدي فلما سمعت الروم كلام البترك نزلوا مسرعين وكانوا قد ضاقت أنفسهم من الحصار ففتحوا الباب وخرجوا إلى عمر بن الخطاب يسألونه العهد والميثاق والذمة ويقرون له بالجزية فلما نظر إليهم عمر على تلك الحالة تواضع لله وخر ساجدا على قتب بعيره ثم نزل إليهم وقال ارجعوا إلى بلادكم ولكم الذمة والعهد إذ سألتمونا وأقررتم بالجزية قال فرجع القوم إلى بلدهم ولم يغلقوا الأبواب ورجع عمر إلى عسكره فبات فيه ليلة فلما كان الغد قام فدخل إليها وكان دخوله يوم الاثنين واقام بها إلى يوم الجمعة وخط بها محرابا من جهة الشرق وهو موضع مسجده فتقدم وصلى هو وأصحابه صلاة الجمعة فهمت الروم بغدرهم وكان أبو الجعيد الذي احتال على الروم باليرموك ببيت المقدس هو وأهله وماله فقالوا ما ترى في غدر هؤلاء العرب إذا هم اشتغلوا بصلاتهم وليس معهم آلة حرب ولا ما يحترزون به من الضرب والقتل فقال لهم أبو الجعيد يا قوم لا تفعلوا ولا تغدروا بهم فان فعلتم ذلك أخبرتهم بما تريدون أن تفعلوا بهم فقالوا وما الذي نصنع فقال أبو الجعيد اظهروا للعرب ما لكم من الزينة ومتاع الدنيا فان متاع الدنيا وما فيها لا يصبر صاحبهما عنهما فان طلبوهما بغدر فشأنكم وما تريدون قال فأقبل القوم على ما كانوا يقدرون عليه من المال والمتاع الحسن فاظهروه وصفوه في طريق المسلمين وشوارعهم فجعل المسلمون ينظرون إلى ذلك في دخولهم وخروجهم وهم يعجبون منهم ولم يمل أحد منهم اليه ولم يلمسه وهم يقولون الحمد لله الذي أورثنا ديار قوم مثل هذا ولو ساوت الدنيا عند الله جناح بعوضة لما سقي كافرا منها شربة ماء قال عوف بن سالم فوالله ما من المسلمين من جعل يده على شيء من متاعهم ولا لمسه فقال لهم أبو الجعيد هؤلاء القوم الذين وصفهم الله في التوراة والإنجيل وانهم لا يزالون على الحق ولا يقر بهم أحد ما داموا على ما هم عليه قال الواقدي واقام عمر في بيت المقدس عشرة أيام قال شهر بن حوشب سمعت كعب الأحبار يقول إن عمر بن الخطاب لما صالح أهل بيت المقدس ودخلها أقام فيها عشرة أيام فأقبلت اليه وكنت في قرية من فلسطين وتقدمت اليه لاسلم عليه واسلم على يديه وذلك أن أبي كان أعلم الناس بما أنزل الله على موسى بن عمران وانه كان لي محبا وعلي مشفقا ولم يكتم علي شيئا الا أعلمني إياه مما كان يعلم الناس فلما حضرته الوفاة دعاني اليه وقال لي يا بني انك تعلم أني ما ادخرت عنك شيئا مما كنت أعلمه لأني خشيت أن يخرج بعض هؤلاء الكاذبين وتتبعهم وقد جعلت هاتين المورقتين في هذه الكرة التي ترى فلا تتعرض لهما ولا تنظر فيهما إلى أن تسمع بخبر نبي يبعث في آخر الزمان اسمه محمد فان يرد الله بك خيرا فأنت تتبعه ثم مات بعد وصيته إياي قال كعب فدفنته فما كان شيء أحب إلي بعد انقضاء العزاء من النظر في الورقتين وقراءة ما فيهما ففتحهما فإذا فيهما لا إله إلا الله محمد رسول الله
(٢٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 237 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 ... » »»