وجعل يدنو من سورهم وقد أخذ معه ترجمانا يبلغه عنهم ما يقولون فوقف بإزاء سورهم بحيث يسمعون خطابه وهم صامتون فقال لترجمانه قل لهم أمير العرب يقول لكم ماذا تقولون في إجابة الدعوة إلى الاسلام والحق وكلمة الاخلاص وهي كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله حتى يغفر لكم ربنا ما سلف من ذنوبكم وتحقنون بها دماءكم وان أبيتم ولم تجيبونا فصالحوا عن بلدكم كما صالح غيركم ممن هو أعظم منكم عدة وأشد منكم وان أبيتم هاتين الحالتين حل بكم البوار وكان مصيركم إلى النار قال فتقدم الترجمان إليهم وقال لهم من المخاطب عنكم فكلمه قس من القساوسة عليه مدارع الشعر وقال أنا المخاطب عنهم ماذا تريد فقال الترجمان ان هذا الأمير يقول كذا وكذا ويدعوكم إلى احدى هذه الخصال الثلاث اما الدخول في الاسلام أو أداء الجزية واما السيف قال فبلغ القس من وراءه ما قال الترجمان قال فضجوا بكلمة كفرهم وقالوا لا نرجع عن دين العز والقبول وان قتلنا أهون علينا من ذلك فبلغ الترجمان ذلك ليزيد قال فمشى إلى الامراء وأخبرهم بجواب القوم قال لهم ما انتظاركم بهم فقالوا ان الأمير أبا عبيدة ما أمرنا بالقتال ولا بحرب القوم بل بالنزول عليهم ولكن نكتب إلى امين الأمة فان أمرنا بالزحف زحفنا فكتب يزيد بن أبي سفيان إلى أبي عبيدة يعلمه بما كان من جواب القوم فما الذي تأمر فكتب إليهم أبو عبيدة يأمر بالزحف وانه واصل في اثر الكتاب فلما وقف المسلمون على كتاب أبي عبيدة فرحوا واستبشروا وباتوا ينتظرون الصباح قال الواقدي ولقد بلغني ان المسلمين باتوا تلك الليلة كأنهم ينتظرون قادما يقدم عليهم من شدة فرحهم بقتال أهل بيت المقدس وكل أمير يريد أن يفتح على يديه فيتمتع بالصلاة فيه والنظر إلى آثار الأنبياء قال فلما أضاء الفجر أذن وصلت الناس صلاة الفجر قال فقرأ يزيد لأصحابه يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا الآية فيقال ان الامراء أجرى الله على ألسنتهم في تلك الصلاة أن قرأوا هذه الآية كأنهم على ميعاد واحد فلما فرغوا من الصلاة نادوا النفير النفير يا خيل الله اركبي قال فأول من برز للقتال حمير ورجال اليمن وبرز المسلمون للحرب كأنهم أسود ضارية ونظر إليهم أهل بيت المقدس وقد انشرحوا لقتالهم فنشطهم ورشقوا المسلمين بالنشاب فكانت كالجراد فجعل المسلمون يتلقونها بدرقهم فلم تزل الحرب بينهم من الغد إلى الغروب يقاتلون قتالا شديدا ولم يظهروا فزعا ولا رعبا ولم يطمعوهم في بلدهم فلما غربت الشمس رجع الناس وصلى المسلمون ما فرض الله عليهم وأخذوا في اصلاح شأنهم وعشائهم فلما فرغوا من ذلك أوقدوا النيران واستكثروا منها لان الحطب عندهم كثير فبقي قوم يصلون وقوم يقرأون وقوم يتضرعون وقوم نائمون مما لحقهم من التعب والقتل فلما كان الغد بادر
(٢٣١)