عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٣١٣
تاريخه حكي عن داؤد بن ديلم وعن عبدوس المتطببين قال لما غلظت علة المعتضد وكانت من استسقاء وفساد مزاج من علل يتنقل منها وخاف على نفسه أحضرنا وجميع الأطباء فقال لنا أليس تقولون أن العلة إذا عرفت عرف دواؤها فإذا أعطي العليل ذلك الدواء صلح قلنا له بلى قال فعلتي عرفتموها ودواءها أم لم تعرفوها قلنا قد عرفناها قال فما بالكم تعالجوني ولست أصلح وظننا أنه قد عزم على الإيقاع بنا فسقطت قوانا فقال له عبدوس يا أمير المؤمنين نحن على ما قلنا في هذا الباب إلا أن في الأمر شيء وهو أنا لا نعرف مقدار أجزاء العلة فنقابلها من الدواء بمثل أجزائها وإنما نعمل في هذا على الحدس ونبتدئ بالأقرب فالأقرب ونحن ننظر في هذا الباب ونقابل العلة بما ينجع فيها إن شاء الله تعالى قال فأمسك عنا وخلونا فتشاورنا على أن نرميه بالعابة وهي التنور فأحميناه له ورميناه فيه فعرق وخف ما كان به لدخول العلة إلى باطن جسمه ثم ارتقت إلى قلبه فمات بعد أيام وخلصنا مما كنا أشرفنا عليه وكانت وفاة المعتضد ليلة الثلاثاء لسبع بقين من شهر ربيع الآخر سنة تسع وثمانين ومائتين ولعبدوس من الكتب كتاب التذكرة في الطب صاعد بن بشر بن عبدوس ويكنى أبا منصور كان في أول أمره فاصدا في البيمارستان ببغداد ثم إنه بعد ذلك اشتغل في صناعة الطب وتميز حتى صار من الأكابر من أهلها والمتعينين من أربابها نقلت من خط المختار ابن حسن بن بطلان في مقالته في علة نقل الأطباء المهرة تدبير أكثر الأمراض التي كانت تعالج قديما بالأدوية الحارة إلى التدبير المبرد كالفالج واللقوة والاسترخاء وغيرها ومخالفتهم في ذلك لمسطور القدماء قال إن أول من فطن لهذه الطريق ونبه عليها ببغداد وأخذ المرضى في المداواة بها وأطرح ما سواها الشيخ أبو منصور صاعد بن بشر الطبيب رحمه الله فإنه أخذ المرضى بالفصد والتبريد والترطيب ومنع المرضى من الغذاء فانجح تدبيره وتقدم في الزمان بعد إن كان فاصدا في البيمارستان وانتهت الرياسة إليه فعول الملوك في تدبيرهم عليه فرفع عن البيمارستان المعاجين الحارة والأدوية الحادة ونقل تدبير المرضى إلى ماء الشعير ومياه البزور فأظهر في المداواة عجائب من ذلك ما حكاه لي بميافارقين الرئيس أبو يحيى ولد الوزير أبي القاسم المغربي قال عرض للوزير بالأنبار قولنج صعب أقام لأجله في الحمام واحتقن عدة حقن وشرب عدة شربات فلم ير صلاحا فأنفذنا رسولا إلى صاعد فلما جاء ورآه على تلك الحال ولسانه قد قصر من العطش وشرب الماء الحار والسكر وجسمه يتوقد من ملازمة الحمام ومداومة المعاجين الحارة والحقن
(٣١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 308 309 310 311 312 313 314 315 316 317 318 ... » »»