الحادة استدعى كوز ماء مثلوج فأعطاه الوزير فتوقف عن شربه ثم أنه جمع بين الشهوة وترك المخالفة وشربه فقويت في الحال نفسه ثم استدعى فاصدا ففصده وأخرج له دما كثير المقدار وسقاه ماء البزور ولعابا وسكنجبينا ونقله من حجرة الحمام إلى الخيش وقال له إن الوزير أدام الله عافيته سينام من بعد الفصد ويعرق وينتبه فيقوم عدة مجالس وقد تفضل الله بعافيته ثم تقدم بصرف الخدم لينام فقام الوزير إلى مرقده وقد وجد خفا من بعد الفصد فنام مقدار خمس ساعات وانتبه يصيح بالفراش فقال صاعد للفراش إذا قام من الصيحة فقال له يعاود النوم حتى لا ينقطع العرق فلما خرج الفراش من عنده قال وجدت ثيابه كأنها قد صبغت بماء الزعفران وقد قام مجلسا ونام ثم لا زال الوزير يتردد دفعات إلى آخر النهار مجالس عدة ومن بعدها غذاه بمزورة وسقاه ثلاثة أيام ماء الشعير فبرأ برأ تاما فكان الوزير أبدا يقول طوبى لمن سكن بغداد دارا شاطئة وكان طبيبه أبو منصور وكاتبه أبو علي بن موصلايا فبلغه الله أمانيه فيما طلب ونقلت أيضا من خط ابن بطلان أن صاعد الطبيب عالج الأجل المرتضى رضي الله عنه من لسب عقرب بأن ضمد المكان بكافور فسكن عنه الألم في الحال ونقلت من خط أبي سعيد الحسن بن أحمد بن علي في كتاب ورطة الأجلاء من هفوة الأطباء قال كان الوزير علي بن بلبل ببغداد وكان له ابن أخت فلحقته سكتة دموية وخفي حاله على جميع الأطباء ببغداد وكان بينهم صاعد بن بشر حاضرا فسكت حتى أقر جميع الأطباء بموته ووقع اليأس من حياته وتقدم الوزير في تجهيزه واجتمع الخلق في العزاء والنساء في اللطم والنياح ولم يبرح صاعد بن بشر من مجلس الوزير فعند ذلك قال الوزير لصاعد بن بشر الطبيب هل لك حاجة فقال له نعم يا مولانا إن رسمت وأمرت لي ذكرت ذلك فقال له تقدم وقل ما يلج في صدرك فقال صاعد هذه سكتة دموية ولا مضرة في إرسال مبضع واحد وننظر فإن نجح كان المراد وإن تكن الأخرى فلا مضرة فيه ففرح الوزير وتقدم بأبعاد النساء وأحضر ما وجب من التمريخ والنطول والبخور والنشوق واستعمل ما يجب ثم شد عضد المريض وأقعده في حضن بعض الحاضرين وأرسل المبضع بعد التعليق على الواجب من حاله فخرج الدم ووقعت البشائر في الدار ولم يزل يخرج الدم حتى تمم ثلاثمائة درهم من الدم فانفتحت العين ولم ينطق بعد فشد اليد الأخرى ونشقه ما وجب تنشيقه ثم فصده ثانيا وأخرج مثلها من الدم وأكثر فتكلم ثم أسقي وأطعم ما وجب فبرئ من ذلك وصح جسمه وركب في الرابع إلى الجامع ومنه إلى ديوان الخليفة ودعا له ونثر عليه من الدراهم
(٣١٤)