عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٣٠٩
وهذا الامتلاء قد يكون من البلغم أيضا وقد ذكر أسبابه الفاضل جالينوس في كتابه في تحريم الدفن قبل أربع وعشرين ساعة قال عبيد الله بن جبرائيل ومن أحسن ما سمعت عن أبي الحسن الحراني أنه دخل إلى قرابة الشريف الجليل محمد بن عمر رحمه الله وكان إنسانا نبيل القدر قد عارضه ضيق نفس شديد صعب فأخذ نبضه وأشار بما يستعمله فشاوره في الفصد فقال له لا أراه وإن كان يخفف المرض تخفيفا بينا وانصرف وجاءه أبو موسى المعروف ببقة الطبيب وأبصر نبضه وقارورته وأشار بالفصد فقال له الشريف قد كان عندي أبو الحسن الحراني الساعة وشاورته في الفصد فذكر أنه لا يراه صوابا فقال بقة أبو الحسن أعرف وانصرف فجاءه بعض الأطباء الذين هم دون هذه الطبقة فقال يفصد سيدنا فإنه في الحال يسكن وقوى عزمه على الفصد ولم يبرح حتى فصده فعندما فصده خف عنه ما كان يجده خفا بينا ونام وسكن عنه واغتدى وهو في عافية فعاد إليه أبو الحسن الحراني آخر النهار فوجده ساكنا قارا فقال له لما رآه على تلك الحال قد فصدت فقيل كيف كنت أفعل ما لم تأمرني به قال ما هو هذا السكون إلا للفصد فقال له الشريف لما علمت بهذا لم لا تفصدني قال له أبو الحسن الحراني إذ قد فصد سيدنا فليبشر بحمى ربع سبعين دورا ولو أن أبقراط وجالينوس عنده ما تخلص إلا بعد انقضائها واستدعى دواة ودرجا ورتب تدبيره لسبعين نوبه ودفعه إليه وقال هذا تدبيرك فإذا انقضى ذلك جئت إليك وانصرف فما مضى أيام حتى جاءت الحمى وبقيت كما قال فما خالف تدبيره حتى برئ قال عبيد الله بن جبرائيل ومن أخباره أنه كان للحاجب الكبير غلام وكان مشغوفا به واتفق أن الحاجب صنع دعوة كبيرة كان فيها أجلاء الدولة ولما اشتغل بأمر الدعوة حم الغلام حمى حادة فورد على قلب الحاجب من ذلك موردا عظيما وقلق قلقا كثيرا واستدعى أبا الحسن الحراني فقال له يا أبا الحسن أريد الغلام يخدمني في غداة غد تعمل كل ما تقدر عليه وأنا أكافئك بما يضاهي فعلك فقال له يا حاجب إن تركت الغلام يستوفي أيام مرضه عاش وإلا فيمكنني من ملازمته أن يقوم في غد لخدمتك ولكن إذا كان في العام المقبل في مثل هذا اليوم يحم حمى حادة ولو كان من كان عنده من الأطباء لم تنجع فيه مداواته ويموت إما في البحران الأولى أو الثاني فانظر أيهما أحب إليك فقال له الحاجب أريد أن يخدمني في غداة غد وإلى العام المقبل فرج ظنا منه أن هذا القول من الأحاديث المدفوعة فلازمه أبو الحسن ولما كان في غد أفاق وقام في الخدمة وأعطى الحاجب لأبي الحسن خلعة سنية ومالا كثيرا وصار يكرمه غاية الإكرام فلما كان في العام المقبل في مثل اليوم الذي حم فيه الغلام عاودته الحمى فأقام محموما سبعة أيام ومات فعظم في نفس الحاجب وجماعة من الناس قول أبي الحسن وكبر لديهم محله وكان هذا منه كالمعجز وقال هلال بن المحسن بن إبراهيم الصابئ الكاتب حدثنا أبو محمد الحسن بن الحسين النوبختي قال حدثني الشريف أبو الحسن محمد بن عمر بن يحيى أنه أراد ابتياع جارية عاقلة من دور بني
(٣٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 304 305 306 307 308 309 310 311 312 313 314 ... » »»