عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٣٢٤
كلامه في الطب وأما في الحكمة فكان يذمه ومن ذلك قال في مقالته في الرد عليه ما هذا نصه إنه كان يقع إلينا كتب يعملها الشيخ أبو الفرج أبو الطيب في الطب ونجدها صحيحة مرضية خلاف تصانيفه التي في المنطق والطبيعيات ومن يجري معها وحدثني الشيخ موفق الدين يعقوب بن إسحاق بن القف النصراني إن رجلين من بلاد العجم كانا قد قصدا بغداد للاجتماع بأبي الفرج بن الطيب والقراءة عليه والاشتغال عنده ولما وصلا دخلا بغداد وسألا عن منزل أبي الفرج فقيل لهما أنه في الكنيسة للصلاة فتوجها نحوه ودخلا الكنيسة فلما قيل لهما إنه ذلك الشيخ وكان ابن الطيب في ذلك الوقت لابسا ثوب صوف وهو مكشوف الرأس وبيده مبخرة بسلاسل وفيها نار وبخور وهو يدور بها في نواحي الكنيسة ويبخر تأملاه وتحدثا بالفارسية وبقيا يديمان النظر إليه ويتعجبان منه أنه على هذه الهيئة ويفعل هذا الفعل وهو من أجل الحكماء وسمعته في أقاصي البلاد بالفلسفة والطب وفهم عنهما ما هما فيه ولما فرغ وقت الصلاة وخرج الناس من الكنيسة خرج أبو الفرج بن الطيب ولبس ثيابه المعتاد لبسها وقدمت له البغلة فركب والغلمان حوله وتبعاه أولئك العجم إلى داره وعرفاه إنهما قاصدان إليه من بلاد العجم للاشتغال وأن يكونا من جملة تلامذته فاستحضرهما في مجلسه وسمعا كلامه ودروس المشتغلين عليه ثم قال لهما كنتما حججتما قط قالا لا فماطلهما بالقراءة إلى أوان الحج وكان الوقت قريبا منه فلما نودي للحج قال لهما إن كنتما تريدان أن تقرآ علي وأن أكون شيخكما فحجا وإذا جئتما مع السلامة إن شاء الله يكون كل ما تريدان مني في الاشتغال علي فقبلا أمره وحجا ولما عاد الحاج جاءا إليه من أثر الحج وهما أقرعان وقد غلب الشحوب عليهما من حر الشمس والطريق فسألهما عن مناسك الحج وما فعلا فيها فذكرا له سورة الحال وقال لهما لما رأيتما الجمار بقيتما عراة موشحين وبأيديكما الحجارة وأنتما تهرولان وترميان بها قالا نعم فقال هكذا الواجب أن الأمور الشرعية تؤخذ نقلا لا عقلا وما كان قصده بذلك وأنه أمرهما بالحج إلا حين يتبين لهما أن الحال التي رأياه عليها وتعجبا من فعله أن ذلك راجع إلى الأوامر الشرعية وهي فإنما تؤخذ من أربابها متسلمة ممتثلة في سائر الملل ثم اشتغلا عليه بعد ذلك إلا أن تميزا وكانا من أجل تلاميذه وقال أبو الخطاب محمد بن محمد أبي طالب في كتاب الشامل في الطب أن أبا الفرج بن الطيب أخذ عن ابن الخمار وخلف من التلاميذ أبا الحسن بن بطلان وابن بدرج والهروي وبني حيون وأبا الفضل كتيفات وابن أثردي وعبدان وابن مصوصا وابن العليق قال وكان في عصر أبي الفرج من الأطباء صاعد بن عبدوس وابن تفاح وحسن الطبيب وبنوسنان والنائلي وعنه أخذ ابن سينا وأبو سعيد الفضل بن عيسى اليمامي وذكر لي أنه من تلامذته ابن سينا وعيسى بن علي بن إبراهيم بن هلال الكاتب وأظنه يكنى بكس وعلي بن عيسى الكحال وأبو الحسين البصري ورجاء الطبيب من أهل خراسان وزهرون
(٣٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 319 320 321 322 323 324 325 326 327 328 329 ... » »»