عيون الأنباء في طبقات الأطباء - ابن أبي أصبيعة - الصفحة ٣٠٦
النهار وأمرني بالدخول إليه وعلاجه فصرت إليه يوم قطع يده فوجدته محبوسا في القلاية التي في صحن الشجرة والباب مقفل عليه ففتح الخادم الباب عنه ودخلت إليه فوجدته جالسا على قاعدة من بعض أساطين القلاية ولونه كلون الرصاص الذي هو جالس عليه وقد ضعف جدا وهو في نهاية القلق من ضربان ساعده ورأيت له في القلاية قبة خيش نصبت له وعليها طاقان من الخيش وفيهما مصلى ومخاد طبري وحول المصلى أطباق كثيرة بفاكهة حسنة فلما رآني بكى وشكى حاله وما نزل به وما هو فيه من الضربان ووجدت ساعده قد ورم ورما شديدا وعلى موضع القطع خرقة غليظة قردواني كحلية مشدودة بخيط قنب فخاطبته بما يحب وسكنت منه وحللت الخيط ونحيت الخرقة فوجدت تحتها على موضع القطع سرجين الدواب فأمرت بأن ينفض عنه فنفض وإذا رأس الساعد أسفل القطع مشدود بخيط قنب وقد غاص في ذراعه لشدة الورم وقد ابتدأ ساعده يسود وعرفته أن سبيل الخيط أن يحل وأن يجعل موضع السرجين كافور ويطلى ذراعه بالصندل وماء الورد والكافور فقال يا سيدي افعل ما رأيت فقال الخادم الذي معي احتاج أن استأذن مولانا في ذلك ودخل ليستأذن وخرج ومعه مخزنة كبيرة مملوءة كافورا وقال قد أذن لك مولانا أن تعمل ما ترى وأمر بأن ترفق به وتوفر العناية عليه وتلزمه إلى أن يهب الله عافيته فحللت الخيط وفرغت المخزنة في موضع القطع وطليت ساعده فعاش واستراح وسكن الضربان وسألته هل اغتذى فقال وكيف ينساغ لي طعام فتقدمت بإحضار طعام فأحضر وامتنع من الأكل فرفقت به ولقمته بيدي فحصل له نحو عشرين درهما خبزا ومن لحم فروج نحو ذلك وحلف أنه لا يقدر أن يبلع شيئا آخر وشرب ماء باردا وعاشت روحه وانصرفت وقفل الباب عليه وبقي وحده ثم أدخل عليه من غد خادم أسود يخدمه وحبس معه وترددت إليه أياما كثيرة وعرض له في رجله اليسرى علة النقرس ففصدته وكان يتألم من يده اليمنى التي قطعت ومن رجله اليسرى ولا ينام الليل من شدة الألم ثم عوفي وكنت إذا دخلت إليه يبتدئ بالمسألة عن خبر ابنه أبي الحسين فإذا عرفته سلامته سكن غاية السكون ثم ناح على نفسه وبكى على يده وقال يد خدمت بها الخلافة ثلاث دفعات لثلاثة خلفاء وكتبت بها القرآن دفعتين تقطع كما تقطع أيدي اللصوص تذكر وأنت تقول لي أنت في آخر نكبة وأن الفرج قريب قلت بلى فقال قد ترى ما حل بي فقلت ما بقي بعد هذا شيء والآن ينبغي أن نتوقع الفرج فإنه قد عمل بك ما لا يعمل بنظير لك وهذا انتهاء المكروه ولا يكون بعد الانتهاء إلا الانحطاط فقال لا تفعل فإن المحنة قد تشبثت بي تشبثا ينقلني من حال إلى حال إلى أن تؤديني إلى التلف كما تتشبث حمى الدق
(٣٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 311 ... » »»