قالت فاطمة: هيأت قرصا، وكان في النحي شيء من سمن، فجعلته فيه أنتظر به إفطارنا.
فقال لها علي (عليه السلام): آثري به هذا المسكين الجائع المحتاج.
فقامت فاطمة (عليها السلام) بالقرص مأدوما فدفعته إلى المسكين، فجعله المسكين في حضنه وخرج به متوجها من عندهما يأكل من حضن نفسه، فأقبلت امرأة معها صبي صغير تنادي: اليتيم المسكين الذي لا أب له ولا أم، ولا أحد، فلما رأت المرأة التي معها اليتيم المسكين يأكل من حضن نفسه، أقبلت باليتيم فقالت: يا عبد الله، أطعم هذا اليتيم المسكين مما أراك تأكل، فقال لها المسكين: لا لعمرك والله، ما كنت لأطعمك من رزق ساقه الله تعالى إلي ولكني أدلك على من أطعمني، فقالت: فادللني عليه؟ فقال لها: أهل ذلك البيت الذي ترين، - وأشار إليه من بعيد - فإن في ذلك المنزل رجلا وامرأة أطعمانيه. قالت المرأة: فان الدال على الخير كفاعله. قال المسكين:
وإني لأرجو أن يطعما يتيمك كما أطعماني.
فأقبلت باليتيم حتى ضربت على علي ونادت: يا أهل المنزل، أطعموا اليتيم المسكين الذي لا أب له ولا أم، من فضل ما رزقكم الله.
فقال علي (عليه السلام) لفاطمة: عندك شيء؟
فقالت: فضل طحين عندي فجعلته حريرة، وليس عندنا غيره، وقد اقترب الإفطار.
فقال لها علي: آثري به هذا المسكين اليتيم (وما عند الله خير أبقى) (1).
فقامت فاطمة (عليها السلام) بالقدر بما فيه فكبتها في حضن المرأة، فخرجت المرأة تطعم الصبي اليتيم مما في حضنها، فلم تجز بعيدا حتى أقبل أسير من اسراء