مناقب علي بن أبي طالب (ع) وما نزل من القرآن في علي (ع) - أبي بكر أحمد بن موسى ابن مردويه الأصفهاني - الصفحة ١٣٥
مال الله خضم الإبل نبتة الربيع، إلى أن انتكث فتله، وأجهز عليه عمله، وكبت به بطنته.
فما راعني إلا والناس كعرف الضبع إلي، ينثالون علي من كل جانب، حتى لقد وطئ الحسنان وشق عطفاي، مجتمعين حولي كربيضة الغنم.
فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة، ومرقت أخرى، وقسط آخرون، كأنهم لم يسمعوا الله تعالى يقول: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعقبة للمتقين). (1) بلى والله، لقد سمعوها ودعوها، ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم، وراقهم زبرجها.
أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله تعالى على العلماء ألا يقاروا على كظة ظالم، ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز.
قالوا: وقام إليه رجل من أهل السواد عند بلوغه إلى هذا الموضع من خطبته، فناوله كتابا، فأقبل ينظر فيه، فلما فرغ من قراءته، قال ابن عباس - رحمة الله عليه -: يا أمير المؤمنين لو اطردت مقالتك من حيث أفضيت!
فقال: هيهات! يا بن عباس، تلك شقشقة هدرت ثم قرت.
قال ابن عباس: فوالله ما أسفت على كلام قط كأسفي على هذا الكلام ألا يكون أمير المؤمنين بلغ منه حيث أراد. (2)

١. سورة القصص، الآية ٨٣.
٢. منهاج البراعة، ج ١، ص ١٣٢، قال: عن الشيخ أبي نصر الحسن بن محمد بن إبراهيم اليونارتي، عن الحاجب أبي الوفا محمد بن بديع وأبي الحسين أحمد بن عبد الرحمان الذكواني، عن الحافظ أبي بكر بن مردويه الإصفهاني....
ورواها ابن الجوزي في تذكرة الخواص (ص ١١٧)، قال: خطبة أخرى تعرف بالشقشقية، ذكر بعضها صاحب نهج البلاغة وأخل بالبعض، وقد أتيت بها مستوفاة: أخبرنا بها شيخنا أبو القاسم النفيس الأنباري بإسناده عن ابن عباس قال: لما بويع أمير المؤمنين بالخلافة ناداه رجل من الصف وهو على المنبر: ما الذي أبطأ بك إلى الآن؟ فقال - بديها -: " أما والله، لقد تقمصها فلان وهو يعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى، ينحدر عني السيل، ولا يرقى إلي الطير... " إلى آخر الخطبة.
قال العلامة المجلسي (رحمه الله) في البحار (ج ٢٩، ص ٥٠٦): رواها [أي: الشقشقية] ابن الجوزي في مناقبه، وابن عبد ربه في الجزء الرابع من العقد الفريد، وأبو علي الجبائي في كتابه، وابن الخشاب في درسه - على ما حكاه بعض الأصحاب -. والحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري في كتاب المواعظ والزواجر - على ما ذكره صاحب الطرائف -. وفسر ابن الأثير في النهاية لفظ الشقشقة، ثم قال: ومنه حديث علي (عليه السلام) في خطبة له: " تلك شقشقة هدرت ثم قرت ". وشرح كثيرا من ألفاظها وقال الفيروزآبادي في القاموس - عند تفسيرها -: والخطبة الشقشقية العلوية لقوله لابن عباس: هيهات! تلك شقشقة هدرت ثم قرت.
أقول: وقد حذفتها الأيدي الأمينة على أسفار الدين والأدب من طبعات العقد الفريد اللاحقة! وإليه تعالى المشتكى.
(١٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 130 131 132 133 134 135 137 139 140 141 142 ... » »»
الفهرست