كشف الظنون - حاجي خليفة - ج ١ - الصفحة ٦٣٧
أشرف العلوم وأجلها لدى الصحابة والتابعين وتابعي التابعين خلفا بعد سلف لا يشرف بينهم أحد بعد حفظ كتاب الله سبحانه وتعالى الا بقدر ما يحفظ منه ولا يعظم في النفوس الا بحسب ما يسمع من الحديث عنه فتوفرت الرغبات فيه (فما زال لهم من لدن رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى أن) انعطفت الهمم على تعلمه حتى لقد كان أحدهم يرحل المراحل ويقطع الفيافي والمفاوز ويجوب البلاد شرقا وغربا في طلب حديث واحد ليسمعه من راويه فمنهم من يكون الباعث له على الرحلة طلب ذلك الحديث لذاته ومنهم من يقرن بتلك الرغبة سماعه من ذلك الراوي بعينه اما لثقته في نفسه واما لعلوا اسناده فانبعثت العزائم إلى تحصيله وكان اعتمادهم أولا على الحفظ والضبط في القلوب غير ملتفتين إلى ما يكتبونه محافظة على هذا العلم كحفظهم كتاب الله سبحانه وتعالى فما انتشر الاسلام واتسعت البلاد وتفرقت الصحابة في الأقطار ومات معظمهم وقل الضبط احتاج العلماء إلى تدوين الحديث وتقييده بالكتابة ولعمري انها الأصل فان الخاطر يغفل والقلم يحفظ فانتهى الامر إلى زمن جماعة من الأئمة مثل عبد الملك بن جريج ومالك بن انس وغيرهما فدونوا الحديث حتى قيل إن أول كتاب صنف في الاسلام كتاب ابن جريج وقيل موطأ مالك بن انس وقيل إن أول من صنف وبوب الربيع بن صبيح بالبصرة ثم انتشر جمع الحديث وتدوينه وتسطيره في الاجزاء والكتب وكثر ذلك وعظم نفعه إلى زمن الامامين أبى عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري وأبى الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري فدونا كتابيهما واثبتا فيهما من الأحاديث ما قطعا بصحته وثبت عندهما نقله وسميا الصحيح من الحديث ولقد صدقا فيما قالا والله مجازيهما عليه ولذلك رزقهما الله تعالى حسن القبول شرقا وغربا ثم ازداد انتشار هذا النوع من التصنيف وكثر في الأيدي وتفرقت اغراض الناس وتنوعت مقاصدهم إلى أن انقرض ذلك العصر الذي قد جمعوا والفوا فيه مثل أبى عيسى محمد بن عيسى الترمذي ومثل أبى داود سليمان بن الأشعث السجستاني وأبى عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي وغيرهم فكان ذلك العصر خلاصة العصور في تحصيل؟؟ هذا العلم واليه المنتهى ثم نقص ذلك الطلب وقل الحرص وفترت الهمم فكذلك كل نوع من أنواع العلوم والصنايع والدول وغيرها فإنه يبتدئ قليلا قليلا ولا يزال ينمو ويزيد إلى أن يصل إلى غاية هي منتهاه ثم يعود وكان غاية
(٦٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 632 633 634 635 636 637 638 639 640 641 642 ... » »»