وحفظ رجاله وتزكيتهم واعتبار أحوالهم والتفتيش عن دخايل أمورهم حتى قدحوا وجرحوا وعدلوا واخذوا وتركوا هذا بعد الاحتياط والضبط والتدبر فكان هذا مقصدهم الأكبر وغرضهم الأوفى ولم يتسع الزمان لهم والعمر لا كثر من هذا الغرض الأعم والمهم الأعظم ولا رأوا في أيامهم ان يشتغلوا بغيره من لوازم هذا الفن التي هي كالتوابع بل ولا يجوز لهم ذلك فان الواجب أولا اثبات الذات ثم ترتيب الصفات والأصل انما هو عين الحديث ثم ترتيبه وتحسين وضعه ففعلوا ما هو الغرض المتعين واخترمتهم المنايا قبل الفراغ والتخلي لما فعله التابعون لهم والمقتدون بهم فتعبوا لراحة من بعدهم ثم جاء الخلف الصالح فأحبوا ان يظهروا تلك الفضيلة ويشيعوا تلك العلوم التي أفنوا أعمارهم في جمعها اما بابداع ترتيب أو بزيادة تهذيب أو اختصار وتقريب أو استنباط حكم وشرح غريب فمن هؤلاء المتأخرين من جمع بين كتب الأولين بنوع من التصريف والاختصار كمن جمع بين كتابي البخاري ومسلم مثل أبى بكر أحمد بن محمد الرقاني وأبى مسعود إبراهيم بن محمد بن عبيد الدمشقي وأبى عبد الله محمد الحميدي فإنهم رتبوا على المسانيد دون الأبواب كما سبق ذكره وتلاهم أبو الحسن رزين بن معاوية العبدري فجمع بين كتب البخاري ومسلم والموطأ لمالك وجامع الترمذي وسنن أبي داود والنسائي ورتب على الأبواب الا ان هؤلاء أودعوا متون الحديث عارية من الشرح وكان كتاب رزين أكبرها وأعمها حيث حوى هذه الكتب الستة التي هي أم كتب الحديث وأشهرها وبأحاديثها اخذ العلماء واستدل الفقهاء واثبتوا الاحكام ومصنفوها أشهر علماء الحديث وأكثرهم حفظا واليهم المنتهى وتلاه الإمام أبو السعادات مبارك بن محمد ابن الأثير الجزري فجمع بين كتاب رزين وبين الأصول الستة بتهذيبه وترتيب أبوابه وتسهيل مطلبه وشرح غريبه في جامع الأصول فكان أجمع ما جمع فيه ثم جاء الحافظ جلال الدين عبد الرحمن ابن أبي بكر السيوطي فجمع بين الكتب الستة والمسانيد العشرة وغيرها في جمع الجوامع فكان أعظم بكثير من جامع الأصول من جهة المتون الا انه لم يبال بما صنع فيه من جمع الأحاديث الضعيفة بل الموضوعة وكان أول ما بدأ به هؤلاء المتأخرون انهم حذفوا الأسانيد اكتفاء بذكر من روى الحديث من الصحابي إن كان خبرا وبذكر من يرويه عن الصحابي إن كان اثرا والرمز إلى المخرج لان الغرض من ذكر الأسانيد كان أولا لاثبات
(٦٣٩)