الفتاوى والرجوع إلى الكبراء أخذوا في تدوين الحديث والفقه وعلوم القرآن واشتغلوا بالنظر والاستدلال والاجتهاد والاستنباط وتمهيد القواعد والأصول وترتيب الأبواب والفصول وتكثير المسائل بادلتها وايراد الشبهة بأجوبتها وتعيين الأوضاع والاصطلاحات وتبيين المذاهب والاختلافات وكان ذلك مصلحة عظيمة وفكرة في الصواب مستقيمة فرأوا ذلك مستحبا بل واجبا لقضية الايجاب المذكور مع قوله عليه الصلاة والسلام العلم صيد والكتابة قيد قيدوا رحمكم الله تعالى علومكم بالكتابة الحديث.
الإشارة الثالثة في أول من صنف في الاسلام. واعلم أنه اختلف في أول من صنف فقيل الامام عبد الملك بن عبد العزيز ابن جريج الصرى المتوفى سنة خمس وخمسين ومائة وقيل أبو النضر سعيد بن أبي عروبة المتوفى سنة ست وخمسين ومائة ذكرهما الخطيب البغدادي وقيل ربيع بن صبيح المتوفى سنة ستين ومائة قاله أبو محمد الرامهرمزي ثم صنف سفيان ابن عيينة ومالك بن انس بالمدينة وعبد الله بن وهب بمصر ومعمر وعبد الرزاق باليمن وسفيان الثوري ومحمد بن فضيل بن غزوان بالكوفة وحماد بن سلمة وروح بن عبادة بالبصرة وهشيم بواسط وعبد الله بن المبارك بخراسان وكان مطمح نظرهم في التدوين ضبط معاقد القرآن والحديث ومعانيهما ثم دونوا فيما هو كالوسيلة إليهما.
الإشارة الرابعة في اختلاط علوم الأوائل والاسلام.
واعلم أن علوم الأوائل كانت مهجورة في عصر الأموية ولما ظهر آل العباس كان أول من عنى منه بالعلوم الخليفة الثاني أبو جعفر المنصور وكان رحمه الله تعالى مع براعته في الفقه مقدما في علم الفلسفة وخاصة في النجوم محبا لأهلها ثم لما أفضت الخلافة إلى السابع عبد الله المأمون ابن الرشيد تمم ما بدأ به جده فاقبل على طلب العلم في مواضعه واستخراجه من معادنه بقوة نفسه الشريفة وعلو همته المنيفة فداخل ملوك الروم وسألهم وصلة ما لديهم من كتب الفلاسفة فبعثوا إليه منها بما حضرهم من كتب أفلاطون وأرسطو وبقراط وجالينوس وأقليدس وبطلميوس وغيرهم واحضر لها مهرة المترجمين فترجموا له على غاية ما أمكن ثم كلف الناس قرائها ورغبهم في تعلمها إذا المقصود من المنع هو احكام قواعد الاسلام ورسوخ عقائد الأنام وقد حصل وانقضى [1] على أن أكثرها مما لاتعلق له بالديانات