قال الفقيه غانم الموشيلي (1)، سمعت الامام أبا المعالي يقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما اشتغلت بالكلام.
قال أبو المعالي في كتاب " الرسالة النظامية " (2): اختلفت مسالك العلماء في الظواهر التي وردت في الكتاب والسنة، وامتنع على أهل الحق فحواها (3)، فرأى بعضهم تأويلها، والتزم ذلك في القرآن، وما يصح من السنن، وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها: وتفويض معانيها إلى الرب تعالى، والذي نرتضيه رأيا، وندين الله به عقدا اتباع سلف الأمة، فالأولى الاتباع (4)، والدليل السمعي القاطع في ذلك أن إجماع الأمة حجة متبعة، وهو مستند معظم الشريعة، وقد درج صحب الرسول صلى الله عليه وسلم على ترك التعرض لمعانيها ودرك ما فيها وهم صفوة الاسلام المستقلون بأعباء الشريعة، وكانوا لا يألون جهدا في ضبط قواعد الملة والتواصي بحفظها، وتعليم الناس ما يحتاجون إليه منها، فلو كان تأويل هذه الظواهر مسوغا أو محتوما، لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة، فإذا تصرم عصرهم وعصر التابعين على الاضراب عن التأويل، كان ذلك قاطعا بأنه الوجه المتبع، فحق على ذي الدين أن يعتقد تنزه الباري عن صفات المحدثين، ولا يخوض في تأويل المشكلات، ويكل معناها إلى