سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٨ - الصفحة ٣١٦
فبنعمة الله، وإن قتلت فملكشاه ولي عهدي. فوقعت طلائعه على طلائعهم، فانكسر العدو، وأسر مقدمهم، فلما التقى الجمعان، بعث السلطان يطلب الهدنة، فقال أرمانوس: لا هدنة إلا ببذل الري. فانزعج السلطان، فقال له إمامه أبو نصر (1): إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره وإظهاره على الأديان، فأرجو أن يكون الله قد كتب باسمك هذا الفتح، والقهم يوم الجمعة والساعة يكون الخطباء على المنابر يدعون للمجاهدين، فصلى به، وبكى السلطان، وبكى الناس، ودعا، وأمنوا، وقال: من أراد أن ينصرف فلينصرف، فما ثم سلطان يأمر ولا ينهى، ورمى القوس، وسل السيف، وعقد بيده ذنب فرسه، وفعل الجند كذلك، ولبس البياض، وتحنط، وقال: إن قتلت فهذا كفني.
ثم حمل، فلما لاطخ العدو، ترجل، وعفر وجهه في التراب، وأكثر التضرع، ثم ركب، وحصل المسلمون في الوسط، فقتلوا في الروم كيف شاؤوا، ونزل النصر، وتطايرت الرؤوس، وأسر ملك الروم، وأحضر بين يدي السلطان، فضربه بالمقرعة، وقال: ألم أسألك الهدنة؟ قال: لا توبخ، وافعل ما تريد. قال: ما كنت تفعل لو أسرتني؟ قال: أفعل القبيح.
قال: فما تظن بي؟ قال: تقتلني أو تشهرني في بلادك، والثالثة بعيدة، أن تعفو، وتأخذ الأموال. قال: ما عزمت على غيرها. ففك نفسه بألف ألف دينار وخمس مئة ألف دينار وبكل أسير في مملكته، فنزله في خيمة، وخلع عليه، وبعث له عشرة آلاف دينار يتجهز بها، وأطلق له عدة بطارقة، وهادنه خمسين سنة، وشيعه، وأما جيشه، فملكوا ميخائيل. ومضى أرمانوس، فبلغه ذهاب ملكه، فترهب، ولبس الصوف، وجمع ما قدر عليه من الذهب، فكان نحو ثلاث مئة ألف دينار، فبعثها، واعتذر.

(1) في " الكامل ": أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري الحنفي.
(٣١٦)
مفاتيح البحث: الصّلاة (1)، محمد بن عبد (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 311 312 313 314 315 316 317 318 319 320 321 ... » »»