سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٤ - الصفحة ٢١٠
وقال في: (لا تحزن إن الله معنا) [التوبة: 40] إنما نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن حزنه لأنه كان مسخوطا. قلت: لم يكن قوله إلا تبشيرا بأنه آمن على رسول الله وعلى نفسه، فقال أين نظير ما قلت؟ قلت: قوله لموسى وهارون:
(لا تخافا إنني معكما كسمع وأرى) [طه: 46] فلم يكن خوفهما من فرعون خوفا بسخط الله.
ثم قال: يا أهل البلدة: إنكم تبغضون عليا؟ قلت: على مبغضه لعنة الله. فقال: صلى الله عليه. قلت: نعم، ورفعت صوتي: صلى الله عليه وسلم، لان الصلاة في خطاب العرب الرحمة والدعاء، قال: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى "؟ قلت: نعم، إلا أنه قال: " إلا أنه لا نبي بعدي " (1). وهارون كان حجة في حياة موسى، وعلي لم يكن حجة في حياة النبي، وهارون فكان شريكا، أفكان علي شريكا للنبي صلى الله عليه وسلم في النبوة؟! وإنما أراد التقريب والوزارة والولاية. قال: أوليس هو أفضل؟ قلت: أليس الحق متفقا عليه؟ قال: نعم. قلت: قد ملكت مدائن قبل مدينتنا، وهي أعظم مدينة، واستفاض عنك أنك لم تكره أحدا على مذهبك، فاسلك بنا مسلك غيرنا ونهضنا.
قال ابن الحداد: ودخلت يوما على أبي العباس، فأجلسني معه في مكانه وهو يقول لرجل: أليس المتعلم محتاجا إلى المعلم أبدا؟ فعرفت أنه

(١) أخرجه البخاري: ٨ / ٨٦ في المغازي: باب غزوة تبوك، وفي فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب مناقب علي بن أبي طالب، ومسلم (٢٤٠٤) في فضائل الصحابة: باب من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه من طريق شعبة، عن الحكم، عن مصعب بن سعد، عن أبيه سعد بن أبي وقاص قال: خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب في غزوة تبوك. فقال:
يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان؟ فقال: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟! غير أنه لا نبي بعدي ".
(٢١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 ... » »»