سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٤ - الصفحة ٢٠٨
وقيل: إنه سار لتلقي أبي عبد الله الشيعي، فقال له: يا شيخ! بم كنت تقضي؟ فقال إبراهيم بن يونس: بالكتاب والسنة. قال: فما السنة؟
قال: السنة السنة. قال ابن الحداد: فقلت للشيعي: المجلس مشترك أم خاص؟ قال: مشترك. فقلت: أصل السنة في كلام العرب المثال، قال الشاعر:
تريك سنة وجه غير مقرفة * ملساء ليس بها خال ولا ندب (1) أي صورة وجه ومثاله. والسنة محصورة في ثلاث: الائتمار بما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، والانتهاء عما نهى عنه، والائتساء بما فعل. فقال الشيعي: فإن اختلف عليك النقل، وجاءت السنة من طرق؟ قلت: أنظر إلى أصح الخبرين، كشهود عدول اختلفوا في شهادة، قال: فلو استووا في الثبات؟
قلت: يكون أحدهما ناسخا للآخر. قال: فمن أين قلتم بالقياس:
(لعلمه الذين يستنبطونه) [النساء: 83] والاستنباط غير منصوص. ثم عطف على موسى القطان فقال: أين وجدتم حد الخمر في كتاب الله، تقول:
اضربوه بالأردية وبالأيدي ثم بالجريد؟ (2). فقلت أنا: إنما حد قياسا على حد القاذف، لأنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى (3)،

(1) البيت لذي الرمة، وهو في ديوانه ص 8 من قصيدته التي مطلعها:
ما بال عينك منها الماء ينسكب * كأنه من كلي مفرية سرب وقوله: سنة وجه: أي صورة وجه. والندب: الأثر من الجراح.
(2) ثبت ذلك من حديث أنس عند البخاري: 12 / 54 في الحدود: باب ما جاء في ضرب شارب الخمر، ومسلم (1706) في الحدود: باب حد الخمر، من طريق شعبة، عن قتادة، عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر أربعين ".
(3) أخرجه مالك: 2 / 55 في الأشربة: باب الحد في الخمر، وعنه الشافعي:
2 / 304 من طريق ثور بن زيد الديلي " أن عمر بن الخطاب استشار في الخمر يشربها الرجل، فقال له علي: نرى أن نجلده ثمانين، فإنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هدى افترى أو كما قال فجلد عمر في الخمر ثمانين ".
قال الحافظ في " تلخيص الحبير " 4 / 75: وهو منقطع، لان ثورا لم يلحق عمر بلا خلاف، لكن وصله النسائي في " الكبرى "، والحاكم: 4 / 375 من وجه آخر عن ثور، عن عكرمة، عن ابن عباس. ورواه عبد الرزاق (13542) عن معمر، عن أيوب، عن عكرمة ولم يذكر ابن عباس. وفي صحته نظر لما ثبت في " الصحيحين " عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر أربعين، فلما كان عمر استشار الناس، فقال عبد الرحمن: أخف الحدود ثمانون، فأمر به عمر. ولا يقال: يحتمل أن يكون عبد الرحمن وعلي أشارا بذلك جميعا، لما ثبت في صحيح مسلم (1707) (38) من طريق حضين بن المنذر أبي ساسان قال: شهدت عثمان بن عفان وأتي بالوليد قد صلى الصبح ركعتين ثم قال: أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان أحدهما حمران: أنه شرب الخمر، وشهد آخر: أنه رآه يتقيأ. فقال عثمان: إنه لم يتقيأ حتى شربها. فقال: يا علي قم فاجلده. فقال علي: قم يا حسن فاجلده. فقال الحسن: ول حارها من تولى قارها كأنه وجد عليه فقال: يا عبد الله ابن جعفر قم فاجلده، فجلده وعلي يعد حتى بلغ أربعين. فقال: أمسك. ثم قال: جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين. وكل سنة، وهذا أحب إلي ".
(٢٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 ... » »»