سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٢ - الصفحة ٨٠
البغدادي، صاحب التصانيف.
سمع إسحاق الأزرق، ومعن بن عيسى، ويزيد بن هارون، ويعقوب ابن إبراهيم. وتفقه بالشافعي.
روى عنه: عبيد بن محمد البزاز، ومحمد بن علي فستقة.
وكان من بحور العلم - ذكيا فطنا فصيحا لسنا. تصانيفه في الفروع والأصول تدل على تبحره، إلا أنه وقع بينه وبين الإمام أحمد، فهجر لذلك (1)، وهو أول من فتق اللفظ، ولما بلغ يحيى بن معين، أنه يتكلم في

(١) قال الحافظ ابن عبد البر في " الانتقاء "، ص: ١٠٦ في ترجمة الكرابيسي بعد أن جود الثناء على علمه وإتقانه وتصانيفه: وكانت بينه وبين أحمد بن حنبل صداقة وكيدة، فلما خالفه في القرآن، عادت تلك الصداقة عداوة، فكان كل واحد منهما يطعن على صاحبه، وذلك أن أحمد بن حنبل كان يقول: من قال القرآن مخلوق، فهو جهمي، ومن قال: القرآن كلام الله ولا يقول: غير مخلوق ولا مخلوق، فهو واقفي، ومن قال لفظي بالقرآن مخلوق، فهو مبتدع.
وكان الكرابيسي، وعبد الله بن كلاب، وأبو ثور، وداود بن علي [والبخاري، والحادث ابن أسد المحاسبي، ومحمد بن نصر المرزوي]، وطبقاتهم يقولون: إن القرآن الذي تكلم الله به صفة من صفاته، لا يجوز عليه الخلق، وإن تلاوة التالي وكلامه بالقرآن كسب له وفعل له، وذلك مخلوق، وإنه حكاية عن كلام الله، وليس هو القرآن الذي تكلم الله به، وشبهوه بالحمد والشكر لله، وهو غير الله، فكما يؤجر في الحمد والشكر والتهليل والتكبير، فكذلك يؤجر في التلاوة.
وهجرت الحنبلية أصحاب أحمد بن حنبل حسينا الكرابيسي وبدعوه، وطعنوا عليه وعلى كل من قال بقوله في ذلك.
وقال الامام الذهبي رحمه الله في " الميزان " ١ / ٥٤٤ في ترجمة الكرابيسي: فإن عنى بقوله: القرآن الكلام الله غير مخلوق، ولفظي به مخلوق، التلفظ، فهذا جيد، فإن أفعالنا مخلوقة. وإن قصد الملفوظ بأنه مخلوق، فهذا الذي أنكره أحمد والسلف، وعدوه تجهما.
كما وضح المسألة الامام الذهبي في " سير أعلام النبلاء " ١١ / ٥١٠ في ترجمة علي بن حجر، وبين مذهب الكرابيسي والبخاري. وفيه: وبالغ الامام في الحط عليهم، أي: على القائلين: لفظنا بالقرآن مخلوق.
وقال عن البخاري: وأما البخاري فكان من كبار الأذكياء، فقال: ما قلت، ألفاظنا بالقرآن مخلوقة، وإنما حركاتهم وأصواتهم وأفعالهم مخلوقة، والقرآن المسموع المتلو الملفوظ المكتوب في المصاحف كلام الله غير مخلوق، وصنف في ذلك كتاب " أفعال العباد " مجلد، فأنكر عليه طائفة، وما فهموا مرامه كالذهلي وأبي زرعة وأبي حاتم وأبي بكر الأعين وغيرهم.
وجاء في " سير أعلام النبلاء " ١١ / ٢٩١ عن فوران صاحب أحمد، قال: سألني الأثرم وأبو عبد الله المعيطي أن أطلب من أبي عبد الله خلوة، فأسأله فيها عن أصحابنا الذين يفرقون بين اللفظ والمحكي. فسألته، فقال: القرآن كيف تصرف في أقواله وأفعاله فغير مخلوق، فأما أفعالنا فمخلوقة. قلت: فاللفظية تعدهم، يا أبا عبد الله، في جملة الجهمية؟ فقال: لا، الجهمية الذين قالوا القرآن المخلوق. وراجع " طبقات الشافعية " للسبكي 2 / 199 وما بعدها، و " تاريخ بغداد " 8 / 65.
(٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 ... » »»