سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٢ - الصفحة ٥٧٦
وأبو داود، والنسائي وغيرهم. فإذا انحطوا إلى إخراج أحاديث الضعفاء الذين هم أهل الطبقة الرابعة، اختاروا منها، ولم يستوعبوها على حسب آرائهم واجتهاداتهم في ذلك.
وأما أهل الطبقة الخامسة، كمن أجمع على اطراحه وتركه لعدم فهمه وضبطه، أو لكونه متهما، فيندر أن يخرج لهم أحمد والنسائي. ويورد لهم أبو عيسى فيبينه بحسب اجتهاده، لكنه قليل. ويورد لهم ابن ماجة أحاديث قليلة ولا يبين. والله أعلم، وقل ما يورد منها أبو داود، فإن أورد بينه في غالب الأوقات (1).
وأما أهل الطبقة السادسة كغلاة الرافضة والجهمية الدعاة، وكالكذابين والوضاعين، وكالمتروكين المهتوكين، كعمر بن الصبح، ومحمد المصلوب، ونوح بن أبي مريم، وأحمد الجويباري، وأبي حذيفة البخاري، فما لهم في الكتب حرف، ما عدا عمر، فإن ابن ماجة خرج له حديثا واحدا (2) فلم يصب. وكذا خرج ابن ماجة للواقدي حديثا واحدا،

(١) نقل الحافظ ابن حجر عن النووي قوله: في سنن أبي داود أحاديث ظاهرة الضعف لم يبينها مع أنه متفق على ضعفها، فلا بد من تأويل كلامه. ثم قال: والحق أن ما وجدناه في " سننه " مما لم يبينه ولم ينص على صحته أو حسنه أحد ممن يعتمد، أو رأى العارف في سنده ما يقتضي الضعف، ولا جابر له، حكم بضعفه، ولا يلتفت إلى سكوت أبي داود.
قلت: وهذا هو التحقيق، ولكنه خالف ذلك في مواضع كثيرة في " شرح المهذب " وفي غيره من تصانيفه فاحتج بأحاديث كثيرة من أجل سكوت أبي داود عليها، فلا تغتر بذلك. نقله عنه الصنعاني في " توضيح الأفكار " ١ / ١٩٩. وانظر ما قاله محمود محمد خطاب في " المنهل العذب المورود فيما سكت عليه أبو داود " ١ / ١٨.
(٢) هو في سننه برقم " ٢٧٦٨ " في الجهاد: باب فضل الرباط في سبيل الله من طريق محمد بن إسماعيل بن سمرة، حدثنا محمد بن يعلى السلمي، حدثنا عمر بن صبح، عن عبد الرحمن بن عمرو، عن مكحول، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لرباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسبا من غير شهر رمضان أعظم أجرا من عبادة مئة سنة صيامها وقيامها، ورباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسبا من شهر رمضان أفضل عند الله وأعظم أجرا من عبادة ألف سنة صيامها وقيامها، فإن رده الله إلى أهله سالما لم تكتب عليه سيئة ألف سنة، وتكتب له الحسنات، ويجرى له أجر الرباط ".
قال البوصيري في " الزوائد " ورقة 177: هذا إسناد ضعيف لضعف محمد بن يعلى وشيخه عمر بن صبح، ومكحول لم يدرك أبي بن كعب ومع ذلك فهو مدلس وقد عنعنه، وقال عبد العظيم المنذري في كتاب " الترغيب والترهيب " 2 / 245 في باب الرباط: وآثار الموضع ظاهرة عليه، ولا عجب، فراويه عمر بن صبح الخراساني، ولولا أنه في الأصول ما ذكرته، وقال الحافظ ابن كثير في " جامع المسانيد ": أخلق بهذا الحديث أن يكون موضوعا لما فيه من المجازفة، ولأنه من رواية عمر بن صبح أحد الكذابين المعروفين بوضع الحديث.
(٥٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 571 572 573 574 575 576 577 578 579 580 581 ... » »»