سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١٢ - الصفحة ٥٧٣
قال أبو بكر الخطيب: كان مسلم يناضل عن البخاري، حتى أوحش ما بينه وبين محمد بن يحيى بسببه (1).
قلت: ثم إن مسلما، لحدة في خلقه، انحرف أيضا عن البخاري، ولم يذكر له حديثا، ولا سماه في " صحيحه "، بل افتتح الكتاب بالحط على من اشترط اللقي لمن روى عنه بصيغة " عن "، وادعى الاجماع في أن المعاصرة كافية، ولا يتوقف في ذلك على العلم بالتقائهما، ووبخ من اشترط ذلك. وإنما يقول ذلك أبو عبد الله البخاري، وشيخه علي بن المديني، وهو الأصوب الأقوى. وليس هذا موضع بسط هذه المسألة (2).
قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر في أول " الأطراف " (3) له بعد أن

(١) " تاريخ بغداد " ١٣ / ١٠٣، و " وفيات الأعيان " ٥ / ١٩٤ و " تذكرة الحفاظ " ٢ / ٥٨٩، ٥٩٠ و " البداية والنهاية " 11 / 34.
(2) من مرجحات " صحيح البخاري " على " صحيح مسلم " أن مسلما صرح في مقدمة " صحيحه " أن الحديث المروي بلفظ " عن " له حكم الاتصال إذا تعاصر المعنعن والمعنعن عنه، وإن لم يثبت اجتماعهما. والبخاري لا يحمله على الاتصال حتى يثبت اجتماعهما ولو مرة واحدة. وقد تكلم مسلم في مقدمة كتابه في الرواية بالعنعنة، وأنه شرط فيها البخاري ملاقاة الراوي لمن عنعن عنه، وأطال في رد كلام البخاري والتهجين عليه، ولم يصرح أنه البخاري، وإنما اتفق أهل العلم أنه أراده، ورد مقالته، ثم قال: إن كل حديث فيه: فلان عن فلان وقد أحاط العلم بأنهما قد كانا في عصر واحد، وجائز أن يكون الحديث الذي روى الراوي قد سمعه منه، وشافهه به، غير أنا لا نعلم له منه سماعا، ولم نجد في شئ من الروايات أنهما؟؟؟؟
قط، أو تشافها بحديث، فالرواية ثابتة، والحجة بها لازمة. وقال: إن هذا هو القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالاخبار والروايات قديما وحديثا. والخلاف بين البخاري ومسلم في الحديث المروي بلفظ " عن " فقط، وأما ما كان بلفظ " أخبرنا " و " حدثنا " و " أنبأنا " فهو ومسلم فيه سواء، فإنه لا يكون إلا بالمشافهة.
(3) أطراف الحافظ ابن عساكر جمع فيه أطراف الكتب الأربعة، وهي: سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة. وقد جمع أطراف " الصحيحين " من قبله الحافظان: أبو محمد خلف بن محمد الواسطي، وأبو مسعود إبراهيم بن محمد الدمشقي. ثم عمد الحافظ المزي صاحب " تهذيب الكمال " إلى جمع أطراف الكتب الستة في كتاب واحد وهو غاية في الجودة وقد طبع بتمامه في الهند واسمه " تحفة الاشراف لمعرفة الأطراف ". قال فيه صاحب القاموس: إنه كتاب معدوم النظير، مفعم الغدير، يشهد لمؤلفه على اطلاع كثير، وحفظ كبير. اختصره الشيخ عبد الغني النابلسي في كتابه " ذخائر المواريث ". وهو مطبوع. وموضوع كتب الأطراف أنهم يذكرون فيها حديث الصحابي مفردا كما يصنع أصحاب المسانيد إلا أنهم لا يذكرون من الحديث إلا طرفا يعرف به، ثم يذكرون جميع طرق الشيخين وأهل السنن الأربع وما اشتركوا فيه من الطرق، وما اختص به كل واحد منهم، وإذا اشترك أهل الكتب الستة في رواية حديث أو بعضهم، أو انفرد به بعضهم ذكروا أين ذكر كل واحد منهم ذلك الحديث في كتابه، وإن ذكره أحدهم مفرقا في موضعين أو أكثر ذكروا كل واحد من الموضعين، فيسهل بذلك معرفة طرق الحديث والبحث عن أسانيده يكتفي الباحث بمطالعة كتاب منها عن مطالعة جميع هذه الكتب الستة، ويتمكن بالنظر فيها من معرفة موضع الحديث منها.
(٥٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 568 569 570 571 572 573 574 575 576 577 578 ... » »»