يدخل بيتا له، ويغلق بابه. ولم أدر ما يصنع حتى سمعت ابنا له صغيرا يحكي بكاءه، فنهته أمه، فقلت لها: ما هذا؟ قالت: إن أبا الحسن يدخل هذا البيت، فيقرأ ويبكي، فيسمعه الصبي، فيحكيه، وكان إذا أراد أن يخرج، غسل وجهه، واكتحل، فلا يرى عليه أثر البكاء (1). وكان يصل قوما، ويكسوهم، ويقول للرسول: انظر أن لا يعلموا من بعثه، ولا أعلم منذ صحبته، وصل أحدا بأقل من مئة درهم إلا أن لا يمكنه ذلك (2).
وكان يقول لي: اشتر لي شعيرا أسود، فإنه يصير إلى الكنيف، ولا تشتر لي إلا ما يكفيني يوما بيوم. واشتريت له مرة شعيرا أبيض، ونقيته، وطحنته، فرآه، فتغير لونه، وقال: إن كنت تنوقت فيه (3)، فأطعمه نفسك، لعل لك عند الله أعمالا تحتمل أن تطعم نفسك النقي، وأما أنا، فقد سرت في الأرض، ودرت فيها، فبالله ما رأيت نفسا تصلي أشر عندي من نفسي، فبما أحتج عند الله إن أطعمتها النقي؟! خذ هذا الطعام، واشتر لي كل يوم بقطعة شعيرا رديئا (4)، واشتر لي رحى فجئني به حتى أطحن بيدي وآكله، لعلي أبلغ ما كان فيه علي وفاطمة رضي الله عنهما (5).
وولد له ابن فدفع إلي دراهم، فقال: اشتر كبشين عظيمين، وغال بهما. واشتر بعشرة دقيقا واخبزه، ففعلت، ونخلته، فأعطاني عشرة أخر، وقال: اشتر به دقيقا ولا تنخله. ثم قال: إن العقيقة سنة، ونخل