سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١١ - الصفحة ٢٠٨
ادخل، فدخل الدهليز، فقلت: من أين أقبلت؟ قال: من ناحية المشرق أريد الساحل، ولولا مكانك ما دخلت هذا البلد، نويت السلام عليك.
قلت: على هذه الحال؟ قال: نعم. ما الزهد في الدنيا؟ قلت: قصر الأمل، قال: فجعلت أعجب منه، فقلت في نفسي. ما عندي ذهب ولا فضة. فدخلت البيت، فأخذت أربعة أرغفة، فخرجت إليه، فقال:
أو يسرك أن أقبل ذلك يا أبا عبد الله؟ قلت: نعم. فأخذها، فوضعها تحت حضنه، وقال: أرجو أن تكفيني إلى الرقة. أستودعك الله. فكان يذكره كثيرا.
وبه: كتب إلي عبد الله بن أحمد، سمعت أبي، وذكر الدنيا، فقال:
قليلها يجزئ، وكثيرها لا يجزئ، وقال أبي: وقد ذكر عنده الفقر - فقال: الفقر مع الخير.
وبه حدثنا صالح، قال: أمسك أبي عن مكاتبة ابن راهويه، لما أدخل كتابه إلى عبد الله بن طاهر وقرأه.
وبه قال: ذكر عبد الله بن أبي عمر البكري، سمعت عبد الملك بن عبد الحميد الميموني، قال: ما أعلم أني رأيت أحدا أنظف بدنا، ولا أشد تعاهدا لنفسه في شاربه وشعر رأسه وشعر بدنه، ولا أنقى ثوبا بشدة بياض، من أحمد بن حنبل رضي الله عنه. كان ثيابه بين الثوبين، تسوى ملحفته خمسة عشر درهما، وكان ثوب قميصه يؤخذ بالدينار ونحوه، لم يكن له دقة تنكر، ولا غلظ ينكر، وكان ملحفته مهذبة.
وبه حدثنا صالح، قال: ربما رأيت أبي يأخذ الكسر، ينفض الغبار عنها، ويصيرها في قصعة، ويصب عليها ماء ثم يأكلها بالملح. وما رأيته اشترى رمانا ولا سفرجلا ولا شيئا من الفاكهة، إلا أن تكون بطيخة فيأكلها
(٢٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 ... » »»