سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٦ - الصفحة ١٧٣
ابن المفرج، حدثنا علي بن الحسن الحافظ، قالا: أنبأنا محمد بن إسماعيل الفضيلي، أنبأنا محلم بن إسماعيل الضبي، أنبأنا الخليل بن أحمد القاضي، حدثنا أبو العباس الثقفي، حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا بكر بن مضر، عن عمرو بن الحارث عن بكير، عن يزيد مولى سلمة بن الأكوع، عن سلمة قال:
لما نزلت هذه الآية: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) [البقرة: 184] كان من أراد منا أن يفطر، ويفتدي، حتى نزلت الآية التي بعدها، فنسختها (1). هذا حديث صحيح، نازل الاسناد، وإنما عززه ورفعه وقوعه من

(١) أخرجه البخاري ٨ / ١٣٦ في التفسير، باب: فمن شهد منكم الشهر فليصمه، ومسلم (١١٤٥) في الصيام، باب: بيان نسخ قوله تعالى (وعلى الذين يطيقونه فدية) بقوله تعالى: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه)، وأبو داود (٢٣١٥) في الصوم، باب: نسخ قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه)، والنسائي ٤ / ١٩٠ باب: تأويل قول الله عز وجل: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين).
وقد قال ابن قدامة، في المغني ٣ / 79: وجملة ذلك أن الشيخ الكبير، والعجوز إذا كان يجهدهما الصوم، ويشق عليهما مشقة شديدة فلهما أن يفطرا، ويطعما لكل يوم مسكينا، وهذا قول علي وابن عباس، وأبي هريرة، وأنس، وسعيد بن جبير، وطاووس، وأبي حنيفة، والثوري، والأوزاعي. وقال مالك: لا يجب عليه شئ، لأنه ترك الصوم لعجزه، فلم تجب فدية. ولنا الآية، وقول ابن عباس في تفسيرها: نزلت رخصة للشيخ الكبير، ولان الأداء صوم واجب، فجاز أن يسقط إلى الكفارة كالقضاء.
وقال الحافظ في الفتح (شرح الحديث 4505): وأما على قراءة ابن عباس فلا نسخ، لأنه يجعل الفدية على من تكلف الصوم وهو لا يقدر عليه، فيفطر، فيكفر، وهذا الحكم باق.
فمعنى النسخ هنا: ليس إبطال حكم ورفعه من جميع وجوهه لان الآية الثانية، لم تنف حكم الأولى، من جميع جوانبه. وإنما خصصته. وهذا أحد معاني النسخ عند الصحابة والتابعين.
وانظر " الموافقات " 3 / 102 للشاطبي، " ومفتاح دار السعادة " 2 / 32 - وما بعدها للعلامة ابن القيم.
(١٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 ... » »»