سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٤ - الصفحة ٤٢
وعند البخاري حديث آخر موقوف بهذا الاسناد، وانفرد مسلم بحديث آخر سأرويه بعد.
قال أبو أحمد الحاكم: كنية عبيدة، أبو مسلم، وأبو عمرو.
وروى هشام بن حسان، عن محمد، عن عبيدة، قال: اختلف الناس في الأشربة فمالي شراب منذ ثلاثين سنة إلا العسل واللبن والماء. قال محمد: وقلت لعبيدة: إن عندنا من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من قبل أنس بن مالك، فقال: لان يكون عندي منه شعرة أحب إلي من كل صفراء وبيضاء على ظهر الأرض.
قلت: هذا القول من عبيدة هو معيار كمال الحب، وهو أن يؤثر شعرة نبوية على كل ذهب وفضة بأيدي الناس. ومثل هذا يقوله هذا الامام بعد النبي صلى الله عليه وسلم، بخمسين سنة، فما الذي نقوله نحن في وقتنا لو وجدنا بعض شعره بإسناد ثابت، أو شسع نعل كان له، أو قلامة ظفر، أو شقفة من إناء شرب فيه. فلو بذل الغني معظم أمواله في تحصيل شئ من ذلك عنده، أكنت تعده مبذرا أو سفيها؟ كلا. فابذل ما لك في زورة مسجده الذي بنى فيه بيده والسلام عليه عند حجرته في بلده، والتذ بالنظر إلى " أحده " وأحبه، فقد كان نبيك صلى الله عليه وسلم يحبه، وتملا بالحلول في روضته ومقعده، فلن تكون مؤمنا حتى يكون هذا السيد أحب إليك من نفسك وولدك وأموالك والناس كلهم.
وقبل حجرا مكرما نزل من الجنة، وضع فمك لاثما مكانا قبله سيد البشر بيقين، فهنأك الله بما أعطاك، فما فوق ذلك مفخر. ولو ظفرنا بالمحجن الذي أشار به الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الحجر ثم قبل محجنه، لحق لنا أن نزدحم على ذلك المحجن بالتقبيل والتبجيل. ونحن ندري بالضرورة أن تقبيل الحجر أرفع وأفضل من تقبيل محجنه ونعله.
(٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 ... » »»