سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ٤ - الصفحة ٣٧
الشعر، شديد الأدمة، بوجهه أثر جدري. فقال الناس: هذا الأعرابي الذي ولي أمر الأمة! فدخل على باب توما، وسار إلى باب الصغير، فنزل إلى قبر معاوية، فوقف عليه وصفنا خلفه وكبر أربعا، ثم أتي ببغلة، فأتى الخضراء (1)، وأتى الناس لصلاة الظهر، فخرج وقد تغسل ولبس ثيابا نقية، فصلى وجلس على المنبر، وخطب وقال: إن أبي كان يغزيكم البحر، ولست حاملكم في البحر، وإنه كان يشتيكم بأرض الروم، فلست أشتي المسلمين في أرض العدو، وكان يخرج العطاء أثلاثا وإني أجمعه لكم. فافترقوا يثنون عليه.
وعن عمرو بن قيس، سمع يزيد يقول على المنبر: إن الله لا يؤاخذ عامة بخاصة إلا أن يظهر منكر فلا يغير، فيؤاخذ الكل، وقيل: قام إليه ابن همام فقال: أجرك الله يا أمير المؤمنين على الرزية، وبارك لك في العطية، وأعانك على الرعية، فقد رزئت عظيما، وأعطيت جزيلا، فاصبر واشكر، فقد أصبحت ترعى الأمة، والله يرعاك.
وعن زياد الحارثي قال: سقاني يزيد شرابا ما ذقت مثله، فقلت: يا أمير المؤمنين لم أسلسل مثل هذا. قال: هذا رمان حلوان، بعسل أصبهان، بسكر الأهواز، بزبيب الطائف، بماء بردى.
وعن محمد بن أحمد بن مسمع قال: سكر يزيد، فقام يرقص، فسقط على رأسه فانشق وبدا دماغه.
قلت: كان قويا شجاعا، ذا رأي وحزم، وفطنة، وفصاحة وله شعر جيد وكان ناصبيا (2)، فظا، غليظا، جلفا. يتناول المسكر، ويفعل المنكر.

(1) انظر ص 16 تعليق (4).
(2) من " الناصبية " وهم المنافقون المتدينون ببغضة علي رضي الله عنه، سموا بذلك لانهم نصبوا له وعادوه.
(٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 ... » »»