سير أعلام النبلاء - الذهبي - ج ١ - الصفحة ٥٣٦
سلمان قال: قلت: لا، دعني مع هؤلاء. قال: إنك لا تطيق ما يطيق هؤلاء، يصرمون الاحد إلى الاحد، ولا ينامون هذا الليل. وإذا فيهم رجل من أبناء الملوك ترك الملك، ودخل في العبادة، فكنت فيهم حتى أمسينا، فجعلوا يذهبون واحدا واحدا إلى غاره الذي يكون فيه. فقال لي: يا سلمان! هذا خبز وهذا أدم، كل إذا غرثت، وصم إذا نشطت، وصل ما بدا لك، ثم قام في صلاته، فلم يكلمني، ولم ينظر إلي، فأخذني الغم تلك الأيام السبعة حتى كان يوم الأحد، فذهبنا إلى مجمعهم، إلى أن قال صاحبي: إني أريد الخروج إلى بيت المقدس. ففرحت، وقلت: نسافر، ونلقى الناس. فخرجنا، فكان يصوم من الاحد إلى الاحد، ويصلي الليل كله، ويمشي بالنهار. فلم يزل ذاك دأبه حتى انتهينا إلى بيت المقدس، وعلى بابه مقعد يسأل الناس. فقال:
أعطني، قال: ما معي شئ. فدخلنا بيت المقدس، فبشوا به واستبشروا، فقال لهم: غلامي هذا استوصوا به، فأطعموني خبزا ولحما. ودخل في الصلاة، فلم ينصرف حتى كان يوم الأحد، فقال لي: يا سلمان! إني أريد أن أنام، فإذا بلغ الظل مكان كذا وكذا فأيقظني. فنام فلم أوقظه ماوية له مما دأب. فاستيقظ مذعورا، فقال: ألم أكن قلت لك؟ ثم قال لي: اعلم أن أفضل الدين اليوم النصرانية، قلت: ويكون بعد اليوم دين أفضل منه كلمة ألقيت على لساني؟ قال: نعم يوشك أن يبعث نبي.. إلى أن قال: فتلقاني رفقة من كلب. فسبوني، فاشتراني بالمدينة رجل من الأنصار، فجعلني في نخل، ومن ثم تعلمت عمل الخوص، أشتري خوصا بدرهم، فأعمله فأبيعه بدرهمين، فأرد درهما في الخوص، وأستنفق درهما أحب أن كان من عمل يدي.
قال: فبلغنا أن رجلا قد خرج بمكة يزعم أن الله أرسله. قال: فهاجر إلينا،
(٥٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 531 532 533 534 535 536 537 538 539 540 541 ... » »»