فإذا جمعت هذا وتدبرته - الخطاب للسائل -: تعلم معنى قول الحفاظ المذكورين: إن المجهول إذا روى عنه ثقة ولم (يأت بما) ينكر فحديثه صحيح، لأنه إذا أتى بما لم ينكر فذلك دليل على كونه ثقة في يحتمل قصد إبهامه وترك اسمه لئلا يعرف، لكونه ضعيفا: فالحديث صحيح على ما تفيده القواعد.
أما الجمهور الذين نقل مذهبهم الحافظ في " اللسان ": فلم يراعوا هذا التدقيق، وسدوا الباب مرة واحدة، للاحتمال المتطرق إلى ذلك المجهول بكونه ثقة أو كونه ضعيفا، والاحتمال يسقط معه الاستدلال، وأكد لهم ذلك أن أغلب المجاهيل حالهم كذلك - أعني: ضعفاء - لأنهم لو كانوا ثقات لاشتهروا وعرفوا بين المحدثين، كما هو حال سائر الثقات.
ولا يخفى أن هذا المنزع فيه ضيق وتشديد، قد يفوت معه كثير من الأحاديث الثابتة في نفس الأمر ويضيع العمل بها، وأن مذهب ابن حبان وموافقيه ممن حكينا مذهبهم أولى بالنظر والقبول، لجمعه بين المصلحتين. والله أعلم ".
2 - الثبت: بفتح الثاء المثلثة، وسكون الباء الموحدة وفتحها، وتاء مثناة. الأولى الاقتصار على سكون الباء الموحدة، للتمييز بين الرجل الثبت، وبين الثبت الذي هو الكتاب الجامع لشيوخ المحدث ومرواياته.
ومعين " ثبت " في اللغة " المتثبت في أموره.
3 - المتقن: قال السخاوي رحمه الله في " فتح المغيث " 1: 337: " لا يزيد الإتقان على الضبط سوى إشعاره بمزيد الضبط ".
فيكون وصف الثقة ب " متقن " في قولهم: ثقة متقن: دليلا على أن ضابط ضبطا أزيد من مطلق الثقة، وهو بدرجة من يوصف ب " ثقة حافظ ". فقد سئل أبو زرعة عن أبي معمر المنقري عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج فقال: " كان حافظا ثقة ". قال ابن أبي حاتم 5 (549): " يعني أنه كان متقنا ".
فينظر قول المصنف رحمه الله في " الموقظة " ص 76 - 77: "... ثم ثقة حافظ، ثم ثقة متقن " (2) واشتهر قول الإمام عبد الرحمن بن مهدي: " الحفظ: الإتقان " المذكور في " الجرح " 2: 35 - 36.