بين الخليلين أن يلم أحدهما صاحبه على شعثه ويهضم له نفسه ومتى لم يفعل هذا لم يكن على ثقة من استيفائه (1) وكان يعرض مصارمته وانقباضه عنه ومعازرته (2) وبيت النابغة في هذا البيت أفحل وأوفى وأجزل وأشفى وقد كشف عن العلة فيما أتي به بقوله أي الرجال المهذب فأحسن العبارة عن هذا المعنى من لك يوما بأخيك كله وقد نوه ببيت النابغة هذا رواه الشعر ونقلته ونقاده وجهابذته واستحسنوا تكافؤ أجزائه واستقلال أركانه واشتماله على فقر قائمة بأنفسها كافية كل واحدة منها وهذا من النوع المستفصح والفن المستعذب المستملح من أعلى طبقات البلاغة وقد أتى القرآن منه بالكثير الذي يقل ما أتى منه في الشعر إذا قيس إليه فتبين بالمميزين كثير فضل ما في القرآن عليه فمن ذلك قول الله عز وجل " فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير " (3) ولنا في هذا الباب رسالة لنا فيها رجحان ما في القرآن من هذا الجنس على كثرته على ما أتى منه في الشعر على قلته فلم نطل كتابنا هذا بإعادته وقد ضممنا منه صدرا صالحا كتابنا المسمى البيان الموجز عن علوم القرآن المعجز ومن نظر فيه أشرف على ما يبتهج بدراسته ويغتبط باستفادته بتوفيق الله تعالى وهدايته قرأت على أبي القاسم زاهر بن طاهر عن أبي بكر البيهقي أنا أبو عبد الله الحافظ حدثني أبو سعيد يعني محمد بن أحمد بن شعيب الفقيه الخفاف نا الحسين بن الحسين بن منصور نا محمد بن عبد الوهاب نا علي بن عثام عن أبيه قال هرب الشعبي من الحجاج بن يوسف حتى وقع إلى خراسان فكتب عبد الملك إلى قتيبة بن مسلم في طلبه ورده إلى حضرته فلما ورد على عبد الملك وجلس في مجلسه خطأه عبد الملك في أول مجلس جلس إليه في ثلاث سمع من عبد الملك حديثا فقال اكتبنيه يا أمير المؤمنين فقال نحن معشر الخلفاء لا نكتب وذكر الشعبي رجلا فكناه
(٣٩٣)