شرح السير الكبير - السرخسي - ج ١ - الصفحة ٢٥
ثم في الحديث بيان شدة الامر في مظالم العباد. فإنه مع هذه الدرجة للشهيد بين أنه مطالب بالدين، وأنه قال ذلك عن وحى فإنه قال: كما زعم جبريل عليه السلام، ليعلم كل أحد أنه لابد من طلب رضا الخصم.
وقيل هذا كان في الابتداء حين نهى رسول الله عليه السلام عن الاستدانة لقلة ذات يدهم لعجزهم عن قضائه. ولهذا كان لا يصلى على ميت مدين لم يخلف مالا يقضى به دينه (1)، ثم انتسخ ذلك بقوله عليه السلام: " من ترك مالا فلورثته، ومن ترك كلا أو عيالا فهو على ".
وقد ورد نظير هذا في الحج، أن (2) النبي عليه السلام دعا لامته بعرفات فاستجيب له إلا المظالم فيما بينهم. ثم دعا بالمشعر (3) الحرام صبيحة الجمع، فاستجيب له حتى المظالم. ونزل جبريل عليه السلام يخبره أن الله تعالى يقضى عن بعضهم حق بعض. فلا يبعد مثل ذلك في حق الشهيد المدين.
فهذا معنى قولنا إنه دخل فيه بعض اليسر.
17 - وذكر بعد هذا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي عليه السلام فقال: رجل يريد الجهاد في سبيل الله، وهو يريد عرض الدنيا. فقال عليه السلام: لا أجر له. فأعظم الناس ذلك.
فقالوا للرجل: عد لرسول الله لعلك تفقهه (4)، أي لم تفهمه. فقال:
رجل يريد الجهاد في سبيل الله، وهو يبتغى عرض الدنيا. فقال: لا أجر له. ثم أعاد ثالثا، فقال: لا أجر له.
فيه دليل على أنه لا بأس للسائل أن يكرر السؤال، وأنه لا ينبغي للمجيب

(1) ط، ه‍ " ديونه ".
(2) ط، ه‍ ".. في باب الحج فإن. ".
(3) ط، ه‍ " عند المشعر ".
(4) ط، ه‍ " أعد سؤالك لعله لم يفقهه ".
(٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 ... » »»