فيه دليل أن الوصية بهذه الصفة صحيحة (1) بأن تقول للوصي: ضع ثلث مالي حيث أحببت أو حيث أحبه فلان.
وفيه دليل أن الصرف إلى فقراء المجاهدين أولى من الصرف إلى غيرهم.
لان فيه معنى الصدقة والجهاد بالمال، وإيصال منفعة ذلك إلى جميع المسلمين بدفع أدى المشركين عنهم بقوته.
ثم بين أن مع هذا كله لا ينال هذا الموصى [من الثواب] (2) ما كان يناله إن لو فعل بنفسه في حياته. لان في حياته كان ينفق المال في سبيل الله تعالى مع حاجته إليه، وقد زالت حاجته بموته (3). فهو كالذي يهدى إذا شبع.
وفى نظيره قال عليه السلام: " أفضل الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل (4) العيش وتخشى الفقر، لا حتى إذا بلغت هذه - وأشار إلى التراقي - قلت: لفلان كذا ولفلان كذا. لقد كان ذلك وإن لم تقل ".
19 - وذكر بعد هذا عن مكحول أنه بلغه أن من لم يجاهد أو لم يعن مجاهدا أو لم يخلفه في أهله بخير، أصابته قارعة قبل يوم القيامة.
والقارعة هي الداهية التي لا يحتملها المرء ولا يتمكن من ردها. قال الله تعالى {ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة} (5) الآية. وفى هذا بيان فضيلة الجهاد، ونيل الثواب بالاغاثة للمجاهد، وعظم وزر من خان المجاهد في أهله. وكأن هذه الخصال الثلاث يعنى ترك الجهاد، وترك إعانة المجاهدين، والخيانة للمجاهد في أهله، لا تجتمع إلا في منافق. والوعيد المذكور لائق بحق المنافقين.