" بعد ذلك فان أبا بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي رحمه الله وكان أحد الأعيان ممن شاهدناه معرفة وإتقانا وحفظا وضبطا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفننا في علله وأسانيده، وخبرة برواته وناقليه، وعلما بصحيحه وغريبه وفرده ومنكره وسقيمه ومطروحه، ولم يكن للبغداديين بعد أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني من يجرى مجراه ولا قام بعده بهذا الشأن سواه، وقد استفدنا كثيرا من هذا اليسير الذي نحسنه به وعنه، وتعلمنا شطرا من هذا القليل الذي نعرفه بتنبيهه ومنه، فجزاه الله عنا الخير ولقاه الحسنى ولجميع مشايخنا وأئمتنا ولجميع المسلمين كان قد عمل بالشام كتابا سماه المؤتنف تكملة المؤتلف ولما عاد إلى بغداد قرأ على شيئا من أوله مغربا على به مشرفا لي بما ضمنه إياه ومعرفا لي قدر ما تيسر له وانه قد استدرك فيه على أئمة هذا العلم أشياء تم عليهم السهو فيها ونبه على أشياء غفلوا عنها ولم يحيطوا بها معرفة، ووجدته كبير فظننت أنه قد استوعب ما يحتاج إليه في هذا المعنى ولم يدع بعده لمتتبع حكما، ولما دعى به فأجاب قال لي بعض المتشاغلين والمعتنين بهذا العلم: لقد تعب الخطيب وأتعب، تعب بما جمعه، وأتعب من أراد أن يعرف الحقيقة في [اسم] لأنه يحتاج أن يطلبه في كتاب الدارقطني فان لم يجده ففي كتابي عبد الغني، فان لم يجده ففي كتاب الخطيب ثم يحتاج أن [يفصل] طبقاته أيضا فيمضى زمانه ضياعا ويصير ما أريد من إرشاده تضليلا فلو أنك جمعت شمل هذه الكتب وجعلتها كتابا واحدا حزت الثواب ويسرت على مبتغى العلم الطلاب،
(مقدمة المصحح ٣٤)