حتى انتهيت إلى قولي:
له لحظات في خفاء سريرة * إذا كرها فيها عقاب ونائل فأما الذي أمنته يأمن الردى * وأما الذي حاولت بالثكل ثاكل فقال: يا غلام، ارفع عني الستر! فرفع، فإذا وجهه كأنه فلقة قمر، ثم قال: تمم القصيدة فلما فرغت قال: أدن، فدنوت، ثم قال: اجلس، فجلست، وبين يديه مخصرة فقال: يا إبراهيم قد بلغتني عنك أشياء لولا ذلك لفضلتك على نظرائك، فأقر لي بذنوبك أعفها عنك. فقلت: هذا رجل فقيه عالم، وإنما يريد أن يقتلني بحجة تجب علي! فقلت: يا أمير المؤمنين كل ذنب بلغك مما عفوته عني فأنا مقر به فتناول المخصرة فضربني بها. فقلت:
أصبر من ذي ضاغط عركرك * ألقي بواني زوره للمبرك ثم ثني فضربني فقلت:
أصبر من عود بجنبيه جلب * قد أثر البطان فيه والحقب فقال: قد أمرت لك بعشرة آلاف درهم، وخلعة، وألحقتك بنظرائك من طريح بن إسماعيل، ورؤبة بن العجاج، ولئن بلغني عنك أمر أكرهه لأقتلنك. قلت: نعم! أنت في حل وفي سعة من دمي إن بلغك أمر تكرهه، قال ابن هرمة: فأتيت المدينة. فأتاني رجل من الطالبيين فسلم على فقلت: تنح عني لا تشيط بدمي.
أخبرني عبيد الله بن أبي الفتح، حدثنا محمد بن حميد الخزاز، حدثنا ابن قانع، حدثنا محمد بن زكريا، حدثنا عبيد الله بن عائشة. قال: لما قدم ابن هرمة على أبي جعفر مدحه فأعطاه عشرة آلاف درهم وقال: يا ابن هرمة إن الزمان ضيق بأهله فاشتر بهذه إبلا عوامل، وإياك أن تقول: كلما مدحت أمير المؤمنين أعطاني مثلها هيهات والعود إلى مثلها.
أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن محمد بن القاسم المخزومي، حدثنا أبو بكر محمد بن يحيى الصولي، حدثنا محمد بن زكريا الغلابي، حدثنا أحمد بن عيسى - وذكر ابن هرمة قال: وكان متصلا بنا - وهو القائل فينا:
ومهما ألام على حبهم * فإني أحب بنى فاطمة بنى بنت من جاء بالمحكمات * وبالدين والسنة القائمة فلست أبالي بحبي لهم * سواهم من النعم السائمه