قاموس الرجال - الشيخ محمد تقي التستري - ج ١٠ - الصفحة ٣٧٨
العام! فقال له: كيف هذا؟ قال: كان رأيا رأيته فرأيت العام غيره، قال: فتؤمنني أن لا ترى من قابل شيئا آخر؟ قال: لا أدري، فقال الرجل: لكني أدري أن عليك لعنة الله.
وكان الأوزاعي يقول: إنا لا ننقم على أبي حنيفة أنه يرى، ولكنا ننقم عليه أنه يجيئه الحديث عن النبي فيخالفه إلى غيره.
وقال أبو عوانة: كنت عند أبي حنيفة فسئل عن رجل سرق وديا، فقال: عليه القطع، فقلت له: حدثنا يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن رافع بن خديج، قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " لا قطع في ثمر ولا كثر " فقال: ما بلغني هذا، قلت له:
فالرجل الذي أفتيته رده، قال: دعه فقد جرت به البغال الشهب.
وقال ابن راهويه: إن أبا حنيفة تحكم في الدين، كقوله: أقطع في الساج والقنا ولا أقطع في الخشب والحطب، وأقطع في النورة ولا أقطع في الفخار والزجاج.
وكان أبو حنيفة لا يدي لولي المقتول عمدا، قال: ليس له إلا أن يعفو أو يقتص وليس له أن يأخذ الدية، والله تعالى يقول: (كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه باحسان) يريد فمن عفا عن الدم فليتبع بالدية اتباعا بالمعروف، أي:
يطالب مطالبة جميلة لا يرهق المطلوب، وليؤد المطالب المطلوب أداء بإحسان لا مطل فيه ولا دفاع عن الوقت؛ ثم قال: (ذلك تخفيف من ربكم ورحمة) يعني:
تخفيفا عن المسلمين مما كان بنو إسرائيل ألزموه، فإنه لم يكن للولي إلا أن يقتص أو يعفو؛ ثم قال: (فمن اعتدى بعد ذلك) - أي: بعد أخذ الدية فقتل - (فله عذاب أليم) قالوا: يقتل ولا تؤخذ منه الدية، وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " لا أعافي أحدا قتل بعد أخذ الدية ".
وهذا وأشباهه من مخالفة القرآن لا عذر فيه، ولا عذر له في مخالفة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد العلم بقوله (1).

(٣٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 373 374 375 376 377 378 379 380 381 382 383 ... » »»