قاموس الرجال - الشيخ محمد تقي التستري - ج ١٠ - الصفحة ٥٤٥
عن الحق هل يكون في جهتين مختلفتين؟ قال هشام: لا، قال: فخبرني عن نفسين اختصما في حكم في الدين وتنازعا واختلفا هل يخلوان من أن يكونا محقين أو مبطلين، أو يكون أحدهما مبطلا والآخر محقا؟ فقال: هشام لا يخلوان من ذلك وليس يجوز أن يكونا محقين على ما قدمت من الجواب، قال له يحيى: فخبرني عن علي والعباس، لما اختصما إلى أبي بكر في الميراث أيهما كان المحق، إذ كنت لا تقول إنهما كانا محقين ولا مبطلين؟ قال هشام: فنظرت، فإن قلت: إن عليا (عليه السلام) كان مبطلا كفرت وخرجت عن مذهبي، وإن قلت: إن العباس كان مبطلا ضرب الرشيد عنقي، ووردت علي مسألة لم أكن سئلت عنها قبل ذلك ولا أعددت لها جوابا، فذكرت قول أبي عبد الله (عليه السلام) لي: " يا هشام لا تزال مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك " فعلمت أني لم أخذل وعن لي الجواب في الحال، فقلت له: لم يكن من أحدهما خطأ وكانا جميعا محقين؛ ولهذا نظير قد نطق به القرآن في قصة داود (عليه السلام) حيث يقول جل اسمه: (وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب) إلى قوله:
(خصمان بغى بعضنا على بعض) فأي الملكين كان مخطئا وأيهما كان مصيبا، أم تقول إنهما كانا مخطئين؟ فجوابك في ذلك جوابي بعينه، فقال يحيى: لست أقول:
إن الملكين أخطأ، بل أقول: إنهما أصابا، وذلك أنهما لم يختصما في الحقيقة ولا اختلفا في الحكم، وإنما أظهرا ذلك لينبها داود (عليه السلام) على الخطيئة ويعرفاه الحكم ويوقفاه عليه، قال هشام: فكذلك علي (عليه السلام) والعباس لم يختلفا في الحكم ولا اختصما في الحقيقة، وإنما أظهرا الاختلاف والخصومة لينبها أبا بكر على غلطه ويوقفاه على خطيئته ويدلاه على ظلمه لهما في الميراث، ولم يكونا في ريب من أمرهما، وإنما كان ذلك منهما على حد ما كان من الملكين، فلم يحر جوابا فاستحسن ذلك الرشيد.
وفيه: أحب الرشيد أن يسمع كلام هشام مع الخوارج، فأمر بإحضاره وإحضار عبد الله بن يزيد الأباضي، وجلس بحيث يسمع كلامهما ولا يرى القوم شخصه، وكان بالحضرة يحيى بن خالد، فقال يحيى لعبد الله: سل أبا محمد - يعني هشاما - عن شيء، فقال هشام: إنه لا مسألة للخوارج علينا، فقال عبد الله: وكيف
(٥٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 540 541 542 543 544 545 546 547 548 549 550 ... » »»