أقول: ليس كل من أعطي حكم التقية، يجب أن يكون - هو - ممن اتقي منه، بل قد يعطى لأجل التقية عليه من المخالفين - كما ذكر المجلسي الأول في تفسيره للحديث - أو لأجل إيقافه على الأحكام الظاهرية ليستفيد منها في مواقعها، خصوصا إذا كان من فقهاء الأصحاب وأساطينهم، فلابد لهم من معرفة الأحكام التي تصدر للتقية، فما المانع من أن يعطيهم الإمام عليه السلام ذلك، لإيصالها إلى الطائفة، أو يكون في وقوفهم عليها إمكان تحديدهم لمواردها وتمييزهم لقواعدها.
والحاصل: إنه ليس صدور أحكام التقية خاصا ببعض الرواة دون بعض، حتى يقال: إن أولئك يعطون من جراب النورة، وهؤلاء لا يعطون.
بل نجد في موارد كثيرة صدور أحكام التقية، برواية كبار فقهاء الطائفة، مثل قصة ابن يقطين وزير هارون، ونفس موردي مناظرة هشام، وحديث الإرث، فهما لا يخلوان من إشارة إلى ما نقول، بل قد صرح في الروايات الأخرى - التي سنتلوها - بهذا المعنى، كما سيأتي.
واو - عند اللغويين:
لم أجد - في ما يتداول من أمهات مصادر اللغة والأدب - من تعرض لهذه العبارة المركبة، إلا العلامة الطريحي، حيث عنون لها في مادة (نور) فقال:
وقوله عليه السلام: " أعطاك من جراب النورة، لا من العين الصافية " (52) على الاستعارة.
والأصل فيه: أنه سأل سائل محتاج من حاكم قسي القلب شيئا، فعلق على رأسه " جراب نورة " عند فمه وأنفه، كلما تنفس دخل في أنفه منها شئ، فصار مثلا