والرواة، الذين كانوا، إذا سمع أحدهم قولا منه للاخر، قال: " أعطاك من جراب النورة " (1).
وحاصل مرامه: أن فقهاء الرواة من أصحاب الأئمة عليهم السلام كانوا يعرفون موارد التقية بدقة فائقة، ولم تكن تخفى عليهم، لشدة ارتباطهم بالأئمة عليهم السلام، ولسعة اطلاعهم على الفقه والمذاهب الفقهية، ولو صدر حكم تقية عرفوه بمجرد نقله إليهم وجبهوا راويه بأنه " أعطي من جراب النورة " اي أعطي الحكم المذكور تقية.
فلو كان في الروايات ما ورد للتقية، لم يخف على أصحاب الأئمة قطعا، ولأفصحوا عن ذلك، ولم يسكتوا عنه، ولم يتناقلوه مجردا.
فحمل الروايات على التقية، بمجرد اختلافها، بعيد.
والحاصل: ان الحمل على التقية بحاجة إلى تنصيص من الرواة، أو انحصار الحل في ذلك، وتعذر أي محمل آخر للرواية.
وظهر من كلامه في المورد الرابع: أن من الرواة من يعطى من جراب النورة، أي يعطى الأحكام تقية، ومنهم من لا يعطى من جراب النورة.
ومعرفة من يعطى، ومن لا يعطى، من الرواة، ذات أثر في إمكان حمل الرواية على التقية وعدمها.
وبهذا يحصل لعبارة "... من جراب النورة " أثر رجالي مهم.
أقول: إن إعطاء الحكم موافقا للتقية، ليس دائما من أجل كون الراوي هو المتقى منه، بل قد يكون لأجل التقية عليه، أي للحفاظ عليه من الأعداء، إذ لو رأوه أو سمعوه يوافق الحق في الأحكام لعرضوه للأذى، فيؤمر بما يوافق التقية.
فليس كل من أعطي حكما موافقا للتقية، يطلق فيه أنه ممن يعطى من جراب النورة، لورود أحكام التقية على يد رواة مأمونين قطعا.
والحاصل إن في عبارات صاحب الجواهر أمورا ثلاثة: