(رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا) قال الله عز وجل: (كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى).
و (أي) أية آية - يا إسحاق - أعظم من حجة الله عز وجل على خلقه، وأمينه في بلاده، وشاهده على عباده من بعد ما سلف من آبائه الأولين من النبيين، وآبائه الآخرين من الوصيين عليهم السلام أجمعين، ورحمة الله وبركاته، فأين يتاه (من التيه) بكم، وأين تذهبون كالانعام على وجوهكم، عن الحق تصدفون، وبالباطل تؤمنون، وبنعمة الله تكفرون أو تكذبون، فمن يؤمن ببعض الكتاب، ويكفر ببعض، فما جزاء من يفعل ذلك منكم، ومن غيركم: إلا خزي في الحياة الدنيا الفانية، وطول عذاب في الآخرة الباقية، وذلك - والله - الخزي العظيم، إن الله بفضله ومنه لما فرض عليكم الفرائض لم يفرض (ذلك) عليكم، لحاجة منه إليكم، بل برحمة منه - لا إله إلا هو - عليكم، ليميز الخبيث من الطيب وليبتلي (الله) ما في صدوركم، وليمحص ما في قلوبكم، وليتسابقوا إلى رحمته، ولتفاضل منازلكم في جنته، ففرض عليكم الحج والعمرة، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصوم، والولاية، وكفاهم لكم بابا لتفتحوا أبواب الفرائض، ومفتاحا إلى سبيله.
ولولا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله، والأوصياء من بعده، لكنتم حيارى كالبهائم، لا تعرفون فرضا من الفرائض، وهل يدخل قرية إلا من بابها، فلما من الله عليكم بإقامة الأولياء - بعد نبيه محمد صلى الله عليه وآله - قال الله عز وجل لنبيه: (اليوم أكملت لكم دينكم، وأتمت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الاسلام دينا) وفرض عليكم لأوليائه حقوقا أمركم بأدائها إليهم، ليحل لكم ما وراء ظهوركم من أزواجكم، وأموالكم، ومآكلكم، ومشاربكم (مشربكم) ومعرفتكم بذلك النماء، والبركة، والثروة، وليعلم من يطيعه منكم بالغيب. قال الله عز وجل: (قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) واعلموا: أن من يبخل فإنما يبخل على نفسه، وأن الله هو الغني، وأنتم الفقراء إليه، لا إله إلا هو.
ولقد طالت المخاطبة فيما بيننا وبينكم، فيما هو لكم وعليكم، فلولا ما