أبو هريرة - السيد شرف الدين - الصفحة ٥٧
ولا يخفى انه قطع بهذا على أوليائه خط الرجعة إلى كل من التأويلين فإنك تعلم أنه لا يصح ارجاع الضمير في صورته إلى آدم في كل من الروايتين بل لا بد من ارجاعه إلى الله عز وجل ليستقم الكلام، ويصح تعليل النهي عن ضرب الوجه وتقبيحه (1) وتعلم أيضا ان خلق آدم حيا سميعا بصيرا متكلما عالما مريدا كارها لا يوجب اختصاص الوجه بالصون دون باقي الجوارح، فحمل تينك الروايتين على واحد من ذينك التأويلين مما لا وجه له بل لا يكون للروايتين معنى إلا إذا أريد بهما صون وجه الانسان، لكونه يشبه وجه الله. تعالى الله وتقدست ذاته وصفاته وأسماؤه.
ولذلك تحير المحققون من أهل التنزيه من الجمهور، وتوقفوا في معاني هذه الأحاديث كلها. وأحالوا العلم بالمراد منها إلى الله تعالى الذي أحاط بكل شئ علما، كما صرح به شارحوا الصحيحين عند انتهائهم إلى هذا الحديث من شروحهم فراجع (2).
* تنبيهان * (أحدهما): انه إذا كان طول آدم ستين ذراعا يجب مع تناسب أعضائه

(1) ليت أبا هريرة علل النهي عن ضرب الوجه بلطفه وجماله وجمعه للأعضاء النفيسة من السمع والبصر والأنف والفم والشفتين والأسنان والحاجبين والجبهة وغيرها فان أكثر الادراك انما يكون بها فقد يعطلها الضرب أو ينقصها وقد يشوه الوجه وتشويه الوجه فاحش لكونه بارزا لا يمكن ستره لكن أبا هريرة انما يؤثر التحريف من حيث يدري أولياؤه أو لا يدرون فانا لله وانا إليه راجعون.
(2) قال الامام النووي: وان من العلماء من يمسك عن تأويل هذه الأحاديث كلها ويقول: نؤمن بأنها حق وان ظاهرها غير مراد ولها معان تليق بها قال: وهذا مذهب جمهور السلف وهو أحوط وأسلم إلى آخر كلامه. فراجعه في شرح صحيح مسلم وهو مطبوع في هامش شرحي البخاري وما نقلناه عنه هنا موجود في ص 18 من الجزء 12 من الشرح في باب النهي عن ضرب الوجه، ونقل القسطلاني نحوه في ص 491 من الجزء العاشر من ارشاد الساري في شرح صحيح البخاري. ثم قال:
وهذا أسلم قلت: هذا بناء منهم على صحة هذه الأحاديث وهيهات ذلك - وان أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون -.
(٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 ... » »»