ولكن فصاحة اللسان وسطوع البرهان وجاذبية الحديث وساحرية الأسلوب كل ذلك جعلك تتذوقه وتستسيغه وتحسبه سهلا.
وكانت مجالسه مدرسة راقية فيها العلم وفيها الأدب وفيها كل ما شئت من ألوان الحديث وضروب الكلام، وكانت تختلف باختلاف الأشخاص مراعاة لمقتضى الحال، وقد كنت ترى - وأنت جالس بين يديه - كأنك في العصر الذي ينتقل بك إليه ويحدثك عنه، فتارة يحدثك عن جبرائيل عليه السلام ونزوله بالوحي فتحسب أنك قد رأيت شخصه وسمعت صوته، وطورا يحدثك عن النبي صلى الله عليه وآله فتخال أنك شهدت رسالته وحضرت معجزاته وأبصرت عن كثب أحاديثه وحكمه. وهكذا ترى نفسك كلما انتقل بك من حديث إلى حديث نظرا لدقة تصويره وبراعته في التعبير، وتخرج من مجلسه - وبودك أن لا تفارقه - مصقول الذهن مهذب الفكر واسع الاطلاع.
واليك الكلمة التي قالها عنه فيلسوف الفريكة في كتابه " ملوك العرب " قال في ص 273 من الجزء الثاني:
قد زرت السيد حسن صدر الدين في بيته بالكاظمية، فألفيته رجلا عظيما الخلق والخلق، ذا جبين رفيع وضاح ولحية كثة بيضاء وكلمة نبوية، له عينان هما جمرتان فوق خدين هما وردتان، عريض الكتف طويل القامة مفتول الساعدين، وهو يعتم بعمامة سوداء كبيرة ويلبس قميصا مكشوف الصدر رحب الأردان فيظهر ساعده عند الإشارة في الحديث، ما رأيت في رحلتي العربية كلها من أعاد إلي ذكر الأنبياء كما يصورهم التأريخ ويصفهم الشعراء والفنانون مثل هذا الرجل الشيعي الكبير، وما أجمل ما يعيش فيه من البساطة والتقشف، ظننتني وأنا داخل إلى بيته أعبر بيت أحد خدامه إليه، وعندما رأيته جالسا على حصير في غرفة ليس فيها غير الحصير وبضعة مساند وقد كنت علمت أن لفتواه