فسلمت فأجاب لي، فقمت عنده خاضعا خاشعا، فعرضت على طريق الالحاح والالتجاء وقلت: أنا سيد، فأجابني بأن السيد كثير أظهر حاجتك ومطلبك.
فقلت: يا مولاي أطلب منك العلم، فأمرني بالتوسل إلى القبة الشريفة، وأشار بيده المباركة إليها، يعني إلى قبة سيد الشهداء عليه السلام فانتبهت وأيقظت، فلما حضرت الدرس.
فلم أزل يوما فيوما يزيدني الفهم والدقة إلى ستة أشهر، حتى من لم يعرفني من داخل حوزه بالمدرس الأستاذ الشريف في أول الوحلة لم يفرقني من الأستاذ ويشتبه عليه الأمر، فأجازني إلا أني بعد صدور الإجازة مكثت عنده ثلاث سنين أو أقل بنصف.
وقرأت عليه غالب المسائل الأصولية من الخارج، وكنت أكتب تقريراته إلا أنه لم يكن لي ما يحتاج من مؤونة المخارج في تلك المدة.
وكان أمر المعيشة هناك في كمال الضيق، ومع ذلك لم يتغير حالي في الشوق إلى الدرس والمباحثة، بل يزيد الشوق على شوقي، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
ثم إنه قرأ على أحد تلامذة أستاده الذي يقرأ عليه درسا أيضا سوى درس الأستاذ علم الرجال في خلال تلك المدة، وهو السيد الجليل النبيل السيد صفر علي رحمه الله.
ثم ارتحل إلى الوطن بالتماس والده، فسكن في البروجرد وصار مدرسا معروفا في الآفاق مشهورا في العراق، وقد ربى جما خطيرا من الطلاب والمحصلين من أهل كل قرية ومدينة قريبة وغريبة.
إلى أن صارت البلدة بوجوده المبارك منارا في البلاد ومرجعا للعباد، فلم يزل في كل سنة كانت حوزة درسه مملوة من العلماء والفضلاء.
فصعد كثير منهم إلى أوج الاجتهاد، فبلغ عدد الكاملين منهم إلى أكثر من مائة، عدا من لم يبلغ منهم هذه الدرجة العلية، فإنهم غير محصورين منتشرين في القرى والمدائن.