الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١٠٦٣
ليضل الناس بغير علم) *. قال أبو محمد: فصح أن كل ما لم يأتنا به وصية من عند الله عز وجل فهو افتراء على الله كذب، وناسبه إلى الله تعالى ظالم، ولم تأتنا وصية قط من قبله تعالى بالحكم بالقياس، فهو افتراء وباطل، وكذب، بل جاءتنا وصاياه عز وجل بألا نتعدى كلامه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وألا نحرم ولا نوجب إلا ما أوجبا وحرما ونهيا فقط، فبطل كل ما عدا ذلك، والقياس مما عدا ذلك فهو باطل.
وقال تعالى: * (أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم) * فأوجب تعالى أن يكتفى بتلاوة الكتاب، وهذا هو الاخذ بظاهره، وإبطال كل تأويل لم يأت به نص أو إجماع، وألا نطلب غير ما يقتضيه لفظ القرآن فقط.
وقال تعالى: * (وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله) * وقال تعالى: * (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) * فلم يبح الله تعالى عند التنازع والاختلاف أن يتحاكم أو يرد إلا إلى القرآن وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم فقط، لا إلى أحد دون النبي صلى الله عليه وسلم، ولا إلى رأي ولا قياس، فبطل كل هذا بطلانا متيقنا، والحمد لله رب العالمين على توفيقه، هذا مع شدة شرط الله تعالى بقوله: * (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) * فلقد يجب على كل مسلم قامت عليه الحجة أن يهاب لحقوق هذه الصفة به، وفرض عليه أن لا يقتدي بمن سلف ممن تأول فخطأ، فليس من قامت عليه الحجة كمن لا ندري أقامت عليه الحجة أم لم تقم؟ إلا أننا نحسن الظن بهم، كما نحسنه بسائر المؤمنين والله أعلم بحقيقة أمر كل أحد.
وقال تعالى: * (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب) * فحرم تعالى الحكم في الشئ من الدين بتحريم أو تحليل، وسمى من فعل ذلك كاذبا، وفعله كذبا إلا أن يحرمه الله أو يحلله الله في النص أو الاجماع، وقال تعالى: * (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل ء آلله أذن لكم أم على الله تفترون) * فسمى تعالى من حرم بغير إذن من الله تعالى في تحريم ذلك الشئ، أو حلل بغير إذن من الله في تحليله: مفتريا، وهذه صفة القائسين المحرمين المحللين الموجبين بالقياس بغير إذن من الله تعالى.
(١٠٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1058 1059 1060 1061 1062 1063 1064 1065 1066 1067 1068 ... » »»
الفهرست