الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١٠٦٤
وقال تعالى: * (فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون) * فنص تعالى على ألا تضرب له الأمثال، وهذا نص جلي على إبطال القياس وتحريمه، لان القياس ضرب أمثال للقرآن، وتمثيل ما لا نص فيه بما فيه النص، ومن مثل ما لم ينص الله تعالى على تحريمه أو إيجابه بما حرمه الله تعالى وأوجبه، فقد ضرب له الأمثال، وواقع المعصية، نعوذ بالله من ذلك، ونص تعالى على أنه يعلم ونحن لا نعلم، فلو علم تعالى أن الذي لم ينص عليه مثل الذي نص عليه لأعلمنا بذلك وما أغفله وما ضيعه، قال تعالى: * (وما كان ربك نسيا) * وقال تعالى: * (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء) * فصح أن العربية بها أرسل الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم، فبهذا بين لنا، وقال تعالى: * (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) * فكل ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن الله تعالى بينه، وقد علمنا يقينا وقوع كل اسم في اللغة على مسماه فيها وأن البر لا يسمى تبنا، وأن الملح لا يسمى زبيبا، وأن التمر لا يسمى أرزا، وأن الشعير لا يسمى بلوطا، ولا الواطئ آكلا، ولا الآكل واطئا، ولا القاتل مظاهرا، ولا المظاهر قاتلا، ولا المعرض قاذفا.
فإذ قد أحكم اللسان كل اسم على مسماه لا على غيره، ولم يبعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالعربية التي ندريها. فقد علمنا يقينا أنه صلى الله عليه وسلم إذا نص في القرآن أو كلامه على اسم ما بحكم ما، فواجب ألا يوقع ذلك الحكم إلا على ما اقتضاه ذلك الاسم فقط، ولا نتعدى به الموضع الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، وألا يخرج عن ذلك الحكم شئ مما يقتضيه الاسم ويقع عليه فالزيادة على ذلك في الدين وهو القياس، والنقص منه نقص من الدين، وهو التخصيص، وكل ذلك حرام بالنصوص التي ذكرنا، فسبحان من خص أصحاب القياس بكلا الامرين فمرة يزيدون إلى النص ما ليس فيه، ويقولون هذا قياس، ومرة يخرجون من النص بعض ما يقتضيه ويقولون: هذا خصوص، ومرة يتركونه كله ويقولون: ليس عليه العمل، والعبرة معترضة عليه كما فعل الحنفيون في حديث المصراة والاقراع بين الأعبد، وكما فعل المالكيون في حديث تمام الصوم لمن أكل ناسيا، وحديث الحج على المريض البائس والميت
(١٠٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1059 1060 1061 1062 1063 1064 1065 1066 1067 1068 1069 ... » »»
الفهرست