الاحكام - ابن حزم - ج ٨ - الصفحة ١١٥٨
القرآن أو الخبر المسند بنقل الثقات إلى النبي صلى الله عليه وسلم إما نصا على الاسم وإما دليلا من النص لا يحتمل الا معنى واحدا وسقط كل ما عداها من الوجوه التي قد حصرت فالواجب ان ننظر في أقسام المجتهدين فنظرنا في ذلك فوجدنا اقسام المجتهدين بقسمة العقل الضرورية لا تخرج عن ثلاثة أقسام عندنا و. أما عند الله تعالى فقسمان لا ثالث لهما فالقسمان هما مصيب أو مخطئ لا بد ان يكون كل مجتهد عند الله تعالى واقعا في أحد النعتين اما مصيب واما مخطئ وقد أوضحنا فيما سلف من كتابنا هذا البراهين الضرورية على أن الحق لا يكون في قولين مختلفين في الحكم واحد في وقت واحد في إنسان واحد في وجه واحد.
وأما الثلاثة الأقسام التي عندنا فمصيب نقطع على صوابه عن الله عز وجل أو مخطئ نقطع على خطئه عن الله عز وجل أو متوقف فيه لا ندري أمصيب عند الله تعالى أم مخطئ وإن أيقنا انه في أحد الحيزين عن الله عز وجل بلا شك لان الله تعالى لا يشك بل عنده علم حقيقة كل شئ لكنا نقول مصيب عندنا أو مخطئ عندنا دليل أصلا وما كان من هذه الصفة فلا تحل الفتيا فيه لمن لم يلح له وجهه إذ لا شك في أن عند غيرنا بيان ما جهلناه كما أن عندنا بيان كثير مما جهله غيرنا ولم يعر بشر من نقص أو نسيان أو غفلة.
فإذا قام البرهان عند المرء على صحة قول ما قياما صحيحا فحقه التدين به والفتيا به والعمل به والدعاء إليه والقطع انه الحق عند الله عز وجل لما ذكرنا قبل وليس من هذا الحكم بالشهادة من العدلين وقد يكونان في باطن أمرهما عند الله تعالى كاذبين أو مغفلين إذ يكلفنا الله تعالى معرفة باطن ما شهدا به لكن كلفنا الحكم بشهادتهما.
وقد علمنا أنه لا يمكن ان يخفى الحق في الدين على جميع المسلمين بل لا بد ان تقع طائفة من العلماء عل صحة حكمه بيقين لم أقدمنا في كتابنا في هذا من أن الدين مضمون بيانه ورفع الاشكال عنه بقول الله تعالى * (تبيانا لكل شئ) * وبقوله تعالى * (لتبين للناس ما نزل إليهم) *.
(١١٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1153 1154 1155 1156 1157 1158 1159 1160 1161 1162 1163 ... » »»
الفهرست